أمــــلاك الدولة فى القوانيـن المصرية (1)

بقلم/ اسامة محمد شمس الدين

الكاتب والباحث القانونى

فى الماضى البعيـــد: كان يســود هذا العالم قانون الغاب،ذاك القانون الذى يجعل الحكم والسلطان للأقوى  -  فردا كان أو جماعة -  إنه قانون القوة، فلم يكن للضعفاء ما يمكنهم من الإستمرار فى السيطرة على ما يمتلكون.

فلم يعرف العالم القديم ما قبل قيام الدولة نظام الملكيات الخاصه، فكل صاحب قوه، كان يستطيع فرض قوته وإرادته على غيره، ومن ثم فإنه لا يمتلك ما يملكة فقط بل كان بإمكانه أن يملك الشخص ذاته.

وأكثر ما يدلل على صحة ذلك قيام المجتمعات القديمة بالسطو على غيرها، دون راضع من قانون، أو وازع من ضمير أو إنسانية، بل إننى أزعم أن المجتمعات القديمة كانت تفتقد إلى حد بعيد إلى قيم الإنسانية، وان هذه القيم لم تكن موجوده إلا فى شبة الجزيرة العربية، وأن الغالبية العظمى من هذه القيم كانت تتعلق بأصول الكرم والضيافة والجُود والسَّخاء، لكنها لم تكن أبداً قيمة إنسانية بالمعنى الدقيق، الذى جاء به الإسلام، فلقد رسخ الإسلام ورفع من القيم الإنسانية، فحارب الرق ومنشأة، وجعل من العتق وسيلة للتكفير عن الذنب، ورفع الإثم.

 وقد بدأ المجتمع فى صورته الأولى قائماً على نظام الأسرة التى قامت على أساسها  العشيرة، والتى  تلتها ما يسمى بالقبيلة والتى كانت تتكون من مجموعة من الأسر التى تفرعت غالبا من أسرة واحدة والتى كانت تعد أنذاك أكبر الكيانات الإجتماعية، ثم بعد أن تحررت هذه المجتمعات من عصور البداءة، دخلت القبائل بوصفها جماعات بشرية تحت لواء حاكم المدينة، الذى أسس لقيام الدولة، ذات الكيان الموحد.

ثم ما كان من هذه المجتمعات ولاسيما مصر الفرعونية إلا أن قدست شخص الحاكم وجعلت منه إله أو ابن إله أو نصف إله، فتقدست الأفكار وتزينت، فصارت له الأرض ملكاً، والحكم مٌــلكا، ولذا فقد إختلف المؤرخون فى مدى وجود ما يسمى بالملكية فى ظل عصور مصر الفرعونية من عدمة وهم على رآيان :

الإتجاة الأول: يذهب إلى عدم وجود ما يسمى بالملكية العقارية فى مصر

حيث يؤرخ البعض بأن فرعون  مصر  ــ  وهو لفظ كان يطلق على كل حاكم مصرى أنذاك  ـ  كان يملك جميع أراضى الدولة، فالفرعون لم يرث عن أجداده الحكم فقط بل كان يرث السيادة و  الأرض ومن عليها، وأن الأفراد كانوا  يتمتعوا بهذه الأراضى على سبيل الإنتفاع، منحة من الملك لهم، على أن تظل ملكية الرقبة له،  وهو ما يؤذن  لنا بالقول بأن مصر الفرعونية لم تكن تعرف  نظام الملكية الفردية للأراضى

الإتجاه الثانى: يذهب إلى وجود ما يسمى بالملكية العقارية فى مصر

حيث  يذهبون  إلى القول بأن  مبدأ تملك الفرعون للأراضي لم يكن مطبقا من الناحية العملية، وان مصر في جميع مراحل تاريخها قد عرفت الملكية الفردية للعقارات، ويدلل هذا الفريق على صحة ذلك بعدة حقائق منها.

  • أنه كان لزوج الملك وأولاده وموظفى الدولة املاك خاصة بهم، بالإضافة إلى ما كانت تستأثر به المعابد من أملاك شاسعة.
  •  كما جاءت جميع التشريعات سواء منها شريعة حمورابى أو القوانين السومرية الأكادية التى سبقتها والشرائع الأشورية والكلدانية التى تلتها مدافعة عن الملكية العقارية الخاصة ومكرسة إياها.

وقد كانت المساحة المملوكة ملكية خاصة توضع لها حدود ثابته تعين حدودها، وأما ملكيتها فقد كانت تثبت بواسطة الوثائق،وكانت علامات الحدود  ال"كودورو" عبارة عن ألواح حجرية تحفر فيها علامات ونقوش تبين إسم المالك وحدود الأرض ثم تحفظ فى المعابد.

 

فى العصر الحديث

وفى العصر الحديث سُنت القوانين، ونُظمت الملكيات العامة والخاصة، وصارت التفرقة بين ما هو مصون للأفراد وبين ما هو مصون للدولة كملكية خاصة أو عامة، وقد حرصت نصوص الدساتير على تحصين الملكيات الفردية من الإعتداء عليها أو مصادرتها إلا بحكم قضائى، وقد نصت الدساتير المصرية فى صلب نصوصها على ما يصون الملكيات الخاصة، فالمادة 35 من الدستور الحالى الصادر عام 2014 تنص على أن ((الملكية الخاصة مصونة، وحق الإرث فيها مكفول، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون، وبحكم قضائى، ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل يدفع مقدمًا وفقا للقانون))

 وتأسيسا على ذلك فقد  فرق المشرع المصرى فى القانون المدنى بين  أملاك الدولة فقسمها إلى  قسمين أملاك الدولة العامة وأملاك الدولة الخاصة، وتبرز أهمية هذه التفرقة فى ظل توجه الدولة المصرية إلى تقنين أوضاع واضعى اليد على أملاك الدولة الخاصة بصدور القانون رقم 144 لسنة 2017، وهو ما يستلزم التعرض لمفهوم أملاك الدولة العامة وأملاك الدولة الخاصة.

أولاً: أملاك الدولة العامة  :ـ

وهى تلك التى حددها المشرع المصرى فى المادة 87 من القانون المدنى المصرى: بأنها العقارات والمنقولات التي للدولة أو للأشخاص الإعتبارية العامة والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو قرار جمهوري أو قرار من الوزير المختص، وهذه الأموال لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم.

ومعيار التعرف على المال العام هو التخصيص للمنفعة العامة، وبحيث يكون هذا التخصيص بموجب قانون أو قرار، أو  أن يكون تخصيصاً فعلياً، بما يعنى تهيئة المال المملوك للدولة ملكية خاصة ليصبح رصداً عليها وحدها للمنفعة العامة.

وتأسيسا على ذلك تعتبر من الأملاك العامة  الميادين والشوارع والطرق العمومية ،والأنهار والشواطئ وحرمها وأملاك الرى، والحدائق العامة والمدرارس ، وأراضى الأثار ، ومبانى الحكومة، والمدارس والجامعات والمستشفيات والأماكن المخصصة للعبادة، وأراضى القوات المسلحة ـ المرافق العامة ـ  والجبانات طالما  تشرف عليها الوحدة المحلية.

وعليه فإن كل  ما يسفيد منه الجمهور يعتبر من أملاك الدولة العامة التى لا يجوز تقنين وضع اليد للمتعدى عليها.

وثــمة استثناء يرد على القاعدة العامة بعدم جواز التصرف فى أملاك الدولة العامة، وتتمثل فى جواز التصرف فى هذه الاموال على سبيل الترخيص المؤقت مقابل رسم وفقا لما تراه الجهة الإدارية بمطلق تقديرها محققا للصالح العام، وهذا الترخيص مؤقت  بطبيعته وغير ملزم للسلطة المرخصة التى لها دائما ولدواعى المصلحة العامة الحق فى إلغائه والرجوع فيه قبل حلول أجله.

 ومن ثم  يجوز قانونا الترخيص المؤقت لاستغلال شواطئ البحار والاسواق والارصفة بالطرق العامة وغيرها من املاك الدولة العامة.

ثـــانيـــــاً :- أملاك الدولة الخاصــــة:

وهى تلك الأملاك المملوكة للدولة ملكية خاصة ، والتى يصرح القانون بجواز التصرف  فيها، وهى كل ما يخرج عن النفع العام ، وحتي يكون هذا التصرف صحيحا من الناحية القانونية يجب أن يتم التصرف ممن خول له القانون مكنة التصرف فى هذا المال، أو بمعنى أخر الجهة المالكة لهذا المال، وتنحصر هذه الجهات فى مصر فى، الوحدات المحلية، ، والهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية،وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة،والهيئة العامة للاصلاح الزراعي، و الهيئة العامة للتنمية السياحية والهيئة العامة للتنمية الصناعية ولكل من هذه الجهات ولاية على الاراضى المخصصة لها وكلا منها لها قانونها الخاص، وهو ما سوف نتوقف عنده فى مقالات قادمة.

 

وسائل التواصل مع الكاتب

https://www.facebook.com/Osama.Shams.AlDeen

[email protected]

مقالات سابقة لنفس الكاتب

الارهاب أقدم ظاهرة فى التاريخ

http://masrelbalad.com/home/single_news/39534

مبدأ الفصل بين السلطات فى الدستور المصرى

http://masrelbalad.com/home/single_news/39899

الدستور المصرى وأعمال السيادة

http://masrelbalad.com/index.php/home/single_artical/40259

اعلان حالة الحرب فى الدستور المصرى

http://masrelbalad.com/index.php/home/single_artical/40859

المصدر: اسامة محمد شمس الدين http://masrelbalad.com/home/single_news/42998

عدد زيارات الموقع

1,780