جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
قد تأتي الإشاعة من مصادر عدة تختلف باختلاف الغرض من إطلاقها ، فقد تأتي عن طريق أجهزة استخباراتية تابعة لجهات أو دول أجنبية ، أو لجهات وجماعات تعمل لحساب هذه الأجهزة أو لحساب نفسها . أو لحساب فرد أو أفراد بقصد ممارسة الألعاب العدوانية .
ويكون الغرض من الإشاعة ضرب مجتمع ما أو دولة ما أو جماعة ما في معلوماتها ، بقصد إحداث نوع من الإرتباك والبلبلة وعدم الثقة في القرارات والسياسات ، والطرائق والسبل والوسائل والتوجهات ، وإشاعة حالة من عدم اليقين . وإحداث انشقاقات مجتمعية بين المجموعات العرقية أو الطوائف الدينية ، أو داخل المجموعة أو الطائفة الواحدة ، بقصد إحداث الفتنة أو جلب أسباب الوقيعة فيما بينها ، علي نحو يؤدي إلي هدم بنيان المجتمع ، وتقويض أركانه ، وتكسير أعمدته ، وإتيان بنيانه من القواعد ، فيخر عليه سقفه ، ويندثر ويموت ، ويصير إلي العدم .
وأسرع وسائل الإشاعة في التداول ، ومعدلات دورانها ، هي وسائل التواصل الإجتماعي ، ووسائل الإعلام التي تستسهل الإعتماد عليها كمصدر ميسور للمعلومات . حيث يتحول كل مشارك في هذه المواقع إلي وحدة إعلامية مستقلة تعمل كمحطة بث للمواقع عن طريق المشاركة . ويصبح كل مشارك بؤرة اشتعال ، ككرة مشبعة بالبنزين المشتعل ، معلقة في ذيل قطة يطاردها الموت ، قد أطلقت في حقل قمح حان وقت حصاده ، والنتيجة معروفة ، وهي أنها تفعل فيه فعل النار في الهشيم .
وغالباً ما تكون الإشاعة في الأصل مفبركة قد تم اختلاقها كلها من الكذب ، أو جزء من الحقيقة ، وأجزاء من الكذب . ويتم غزل خيوطها ، وصباغتها ، ونسجها ، وحياكتها بعناية ودقة ومهارة ، حتي تكون لافته جذابة ، فيدرك الإنسان وجودها ، محدثة لديه حالة إشباع وجداني جاذب ، تفضي إلي السلوك النزوعي .
هذا السلوك النزوعي مرده الرغبة المتولدة لدي المشارك في المدح والإعجاب والتميز عن الغير ، والتشبع بمتعة نقل المعرفة إلي الغير عن طريق المشاركة . وعلي قدر المشاركة الفعالة تكون المتعة الحاصلة .
والإشاعة غالباً لا يتم تصديرها إلي وسائل بثها ونشرها ككلمات مسطورة وحسب ، لأن الكلمات المسطورة وحدها لا تكفي كوسيلة جذب وشد انتباه ، وإنما يتم الإلتجاء إلي وسائل تقنية أخري مستحدثة من قبيل تقنية الصوت والموسيقي والألوان بمشتقاتها والجرافيك وخلافه . وكل تقنية من هذه التقنيات تتسلط علي نحو مهيمن علي حاسة من الحواس ، فيستغرق الإنسان في الإشاعة استغراقاً لا يدعه إلي الإنشغال بأمر آخر من الأمور . وبذلك تصل الرسالة / الإشاعة إلي المرسل إليه ، وتملك عليه حواسه .
وتحل غالباً الإشاعة محل الحقيقة ، لأن الإشاعة تجد من يعمل لها ، وينفق عليها ، ويدفعها إلي صدارة المشهد ، ويروج لها ، ويدافع عنها . وهو ما لا تجده الحقيقة غالباً ، اعتماداً علي كونها كذلك . وهنا مكمن الخطورة ومصدرها ، متمثلاً في انقلاب الأمور والقناعات داخل الشخص ، حيث ينقلب الحق باطلاً والباطل حقاً ، والصدق كذباً والكذب صدقاً ، وتختل الموازين التي توزن بها المنظومة القيمية الحاكمة .
تلك آفة من آفات مواقع التواصل الإجتماعي . وهناك آفات أخري لم نأت علي ذكرها . وليس معني ذلك أن تلك المواقع ليس لها حسنات وفوائد ، أي أنها شر محض ، وليس فيها خير ، وهذا غير صحيح ، إذ أن لها جوانب خير ، ولها جوانب شر . وآفة الأشعة ليست مجرد كونها آفة ، وإنما تمتد إلي اعتبارها أخطر الأسلحة المعلوماتية وأشدها فتكاً ، إذا أخذنا منها قاعدة بيانات تتخذ بها القرارات ، وتتحدد من خلالها المواقف ، وينبني عليها التوجهات .
فهل يمكن تفادي الإشاعة كمرض فتاك ؟ .