جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
نقلت لنا ــ دام سعدكم ــ كتب التراث وصية الاعرابية لابنتها ليلة زفافها , ونقلت ايضا وصية احمد بن حنبل رحمه الله لابنه , لكنها لم تنقل لنا ابدا وصية اب لابنته عشية تأهلها الى بيت زوجها . قلت سأدلي بدلوي في هذا المجال , فأكون اول يوصي ابنته ليلة زفافها , فأقول وعمر القارئين يطول :
أي بنية ! اعلمي ـــ بارك الله فيك ـــ انك مني بمنزلة العين من الراس , والروح من الجسد , فانت تفاحة القلب وثمرة الفؤاد , ولولا ان الزواج سنة الله في خلقه لإعمار الكون ما اخرجتك من بيتك , لكن الحياة لا بد ان تسير , والكون لا بد ان يعمر .
أي بنية : اعلمي ان الاسرة نواة المجتمع , وان قوامها الرجل والمرأة , لا غنىً لاحدهما عن الاخر , فلا تستقيم الحياة للرجل الا بالمرأة , ولا تستقيم حياة المرأة الا بالرجل , واعلمي ان حاجتك اليه كحاجته اليك , فطرة الله التي فطر عليها خلقه , واني موصيك بعشر وصايا , ان تمسكت بها تكنْ فيها سعادتك في الدارين .
اما الاولى : فالطاعة في غير معصية الله , فالرجل ــ يا ابنتي ــ رب الاسرة والقائم عليها وخادمها , وطاعته واجبة على جميع افرادها , فهو قائد المركب , والمركب الذي يقوده اثنان يغرق لا محالة , يقول النبي الاكرم صلى الله عليه وسلم " لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " , لما له من حق عليها .
واما الثانية : فاعلمي ان الرجل يجني والمرأة تبني , فضعي كل قرش من ماله في المكان المناسب , ولتكن القناعة ديدنك في الحياة ؛ فلا تسرفي ولا تتطلبي ولا تتشهي , فتثقلي كاهله فيضطر الي الاستدانة او السرقة لإرضائك , وفي الحالين انت الخاسرة .
اما الثالثة : فلا يخرج سر بيتك حتى لأقرب الناس اليك , فالبيوت ــ بُنيّتي ــ اسرار , لا يحسُن ان يطلع عليها احد , حتى اقرب المقربين , فالسر ان تجاوز الاثنين شاع , واعلمي ان الخلاف ملح الحياة الاسرية , وانتما اقدر الناس على حل ما يمكن ان يقع بينكما من سوء تفاهم , وان أي خلاف مهما كان كبيرا فهو صغير بين الزوجين ومقدور عليه , لكنه ان تجاوز عتبة البيت كبُر , وصعبت السيطرة عليه .
اما الرابعة : فلا تمُنّي عليه بمال او جاه او مقدرة , بل دعيه يحس ذلك احساسا بانك وقفت يوم ضيق الى جواره , دون ان تذكّريه , واشعريه دائما بالرضى , وشكر الله تعالى اذ رزقك زوجا كريما حانيا على زوجه قائما على شؤون بيته .
واما الخامسة : فلا يرى الا بيتا نظيفا , واثاثا مرتبا مريحا , فلا خير في امرأة جمّلت نفسها واهملت بيتها .
واما السادسة : فتفقدي ذوي رحمه , وذكّريه دائما بثواب الواصل وعقاب القاطع , واشعريه دائما ان اهله هم اهلك , فبمقدار احترامك ورعايتك لهم تزداد محبته لك والتمسك بك , واحرصي ــ يا ابنتي ــ على ان لا تكوني طرفا في أي خلاف بينه وبين اهله .
واما السابعة : فجوّدي طعامه وشرابه , واياك ان تسبق يدُك يدَه الى طعام او شراب فيظنك نهِمة , فكما تتأنقي بلباسك فتأنقي في طعامك , واحرصي ــ يا ابنتي ــ ان لا يشم رائحة الطبخ على ثيابك , فينفر منك .
واما الثامنة : فذكريه بانك واولاده امانة في عنقه , يحاسبه الله عليها يوم القيامة , فلا يطعمكم الا حلالا طيبا مهما كان قليلا , فلقمة الحرام ــ يا ابنتي ــ تظهر ولو بعد حين , كما قيل في المثل : الاباء يأكلون الحُصرم ( العنب قبل نضجه) والابناء يضرسون ( وجع الاسنان ).
واما التاسعة : فلا ترفعي صوتك فوق صوته في نقاش او محادثة , فبالحوار الهادئ البناء تكسبي ثقته واحترامه وعطفه ومحبته , والكلمة الطيبة الرقيقة تذلل الصعاب , وتخرج الافعى من جحرها .
واما العاشرة : فاعلمي ان الرجل يكره المرأة الأنّانة( كثيرة الانين والشكوى من المرض) والحنّانة ( دائمة الحنين الى اهلها) والزنّانة والمنّانة ( تمن عليه بمال او جاه او موقف) , ويمقت الثرثارة والفشارة ( تكذب لتفتخر امام الناس ) والنقارة( كثيرة الانتقاد للأهل والجيران ) .
يا ابنتي : هذه وصية اب خبر الرجال , وعرف احوالهم وطلباتهم , وخبر الحياة الزوجية بكل ما فيها من نعيم وقسوة , حريص على تثبيت اركان بيت ابنته تمهيدا لاستقبال اكرم المخلوقات , زينة الحياة الدنيا وبهجتها , مع تمنياتي لك ولكل بناتنا بحياة اسرية هنيئة سعيدة . طبتم وطابت اوقاتكم .