جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
هناك العديد من المفاهيم التي جرت علي ألسنة العامة جرياناً أفضي بها إلي التبسيط المخل . وجري الخلط بينها خلطاً يبعدها عن معانيها ، في واقع الحياة العملية التطبيقية . وذلك بمنأي عن العلماء والمتخصصين الذين يعملون وفقاً لقواعد العمل الأكاديمي المكتبي . ولذا دائماً ما نجد بوناً واسعاَ بين العمل الأكاديمي ، وما يجري تطبيقياً في واقع الحياة .
ومن هذه المفاهيم البسيطة التي تختلط في أذهان بعض الأكاديميين ، اختلاط مفهوم الحلال والحرام في الإسلام مع مفهوم الثقافة كما وعته عقولهم . فالحلال والحرام في الإسلام ينقسم إلي شطرين ، الأول وهو شطر الحلال ، وتحديده يتمثل في أن كل شيء حلال من حيث الأصل ، ومن حيث القاعدة الفاعلة فيه ، إعمالاً لقاعدة أن كل شيء مباح ، وما يرد علي القاعدة والأصل سوي الإستثناء ، والإستثناء لا يكون إلا بنص ، وهو المحرم أو الحرام الذي قضي الله . وعلي ذلك يكون الحرام محدداً للسلوك الإنساني في إطار ما هو مفتوح من مباحات مطلقة ، باعتبار أن كل شيء مباح إلا ما حرم بنص .
فالحلال والحرام إذن ، هو محددات ومعايير للعقل والسلوك في نظرة الفرد لنفسه والجماعة ، وفي نظرة الجماعة لنفسها ، وفي نظرتها للجماعات الأخري .
فإذا كان مفهوم الثقافة لا يخرج في خلاصته ـ كما أورده معظم علماء الإجتماعيات ـ عن القول بأن الثقافة عبارة عن تلك المحددات والمعايير المشكلة لنظام العقل والسلوك في مجتمع ما ، أو لدي جماعة ما ، والتي تحدد نظرة الفرد والجماعة ، لنفسها والآخرين ، والكون من حولها ، وبالتالي طبيعة السلوك .
فالثقافة إذن ، هي محددات ومعايير للعقل والسلوك .
وهنا يلتقي المفهومان . مفهوم الثقافة ومفهوم الحلال والحرام ، ثم يفترقان . ونقطة الإفتراق تتمثل في أي منهما أعم وأشمل من الآخر . لأن في العموم احتواء وتضمين . فإذا كان الحلال والحرام أعم وأشمل فإنه يضوي تحت ظلاله مفهوم الثقافة . وهذا يترتب عليه نتائج فارقة في النظرة والتوجه ، تطبيقاً لقاعدة أن ما ينطبق علي الكل ينطبق علي الجزء الذي يندرج تحت هذا الكل .
وكذا الأمر بالنسبة لمفهوم الثقافة إذا كان هو الأعم والأشمل .
من قال أن مفهوم الحلال والحرام أعم وأشمل يؤمن أنه ثابت المصدر ، لأنه من الله ، وغير قابل للتعديل ، أو التطوير، فالحرام يبقي حراماً ، وليس وارداً تطوره مع تطور البشرية إلي حلال ، إلي يوم القيامة . وأن ما يطرأ علي مفهوم الثقافة من تغيرات وتطورات قد يخضع للحِل والحُرْمة بحسب الأحوال .
والمفترض أن ذلك من الأمور الطبيعية طالما كنا مؤمنين أن هناك إله للكون يدبر أمره ، ويدير دفته ، علي نحو متقن وحكيم .
أما من قال بعمومية وشمول مفهوم الثقافة ، وأن الحلال والحرام قضية جزئية منه ، فإنه يقول بخضوع هذه القضية لهذا المفهوم . وهذا الخضوع يستتبع بالضرورة خضوع الحِل والحرمة لكافة المتغيرات الثقافية الحادثة في تاريخ البشرية وفقاً لإرادة البشر . وكأن ما يجري في الكون يجري بمعزل عن الله ، وأن قضية الإباحة والتحريم ما هي إلا " ثقافة اتفقت عليها المجموعات البشرية ، وفرض قواعدها الطرف الأقوي فيها ـ الرجل ـ وبالطبع تأتي القواعد لتتناسب مع أطماع الطرف الأقوي ، أطماعة من قبيل فرض الهيمنة ، التفوق الاقتصادي ، الاستئثار بذات بشرية ـ المرأة ـ تحت دعاوي متغيرة " . دكتورة / أماني فؤاد ـ مقال لست بعورة ـ جريدة المصري اليوم . والتي أضافت في نفس المقال : " ، ولذا جاءت الأديان تحمل مايحقق للثقافة الذكورية تلك المطامع " ، وكأن الأديان قد انحازت للرجل علي حساب المرأة . وتتساءل الدكتورة / أماني فؤاد في نفس المقال عن الأسباب التي دعت الدين إلي الإهتمام بالتدين الشكلي دون الجوهر ، وكذا الأسباب التي حالت دون الإنسان وتطوير الدين المفروض عليه .
ونتيجة الخطأ في قاعدة الإنطلاق نجد التنويريين ـ العلمانيين ـ قد وصلوا إلي نتائج موحشة موغلة في الإغتراب . أفضت بهم في النهاية إلي الرقص علي السلم ، والإحتراف فيه . فهم يتعاملون مع الدين وقضية الحلال والحرام باعتباره كلاماً عادياً ، لا قداسة فيه ولا له ، وبالتالي يجب الإجتهاد معه ، وليس فيه .
ومن هنا نجدهم قد وضعوا الثقافة في حالة عداء مع الدين ، وخصومة مع المتدينين . واستهلكنا من وقتنا وتفكيرنا وعقولنا في أمور ما كان يجب لها أن تكون .
فطالما أن الله موجود ، فهناك منهج حياة بالضرورة ، وسيبقي الحلال حلالاً ، والحرام حراماً ، مهما كان الموروث الثقافي الكائن .