نسمات مديحة حسن

شعر / خواطر / قصة قصيرة / وطنيات

المقدمات الخاطئة تؤدي إلي نتائج خاطئة بالضرورة ، هكذا تقضي قواعد المنطق . وانطلاقاً من هذه البديهة المنطقية إذا كان ثمة إيمان حقيقي بالله ورسوله ، فلابد أن يكون هناك إيمان بالقرآن والأحاديث النبوية الصحيحة ، والعمل بمقتضاهما . وحول الإيمان والعمل يتمحور الحوار ، ويكون لاستمراره معني وهدف ، ونصل من خلاله إلي النتائج المرغوب فيها .
أما إذا انتفي الإيمان ، وانعدم ، فلن يكون هناك لدي المرء إله أو رسول أو رسالة ، ويصبح الحوار بلا معني ، ومجرد ثرثرة فارغة ، وطحن بلا طحين . ويتحول حديث المرء المفتقد إلي الإيمان إلي مجرد التشكيك والتسفيه والتتفيه والتحقير والحط من موضوع الإيمان ومحله . ومن هؤلاء من يسلك سلوكاً عكسياً بأن يبدأ بالتشكيك في القرآن والآحاديث ، من خلال التشكيك في أحكامهما ، وحكمتهما ، ومدي موائمتهما للعصر ، وصلاحيتهما للتطور والتقدم .
من بين من يُسمون أنفسهم التنويريين ـ علي أساس أن المعادل الموضوعي يكون الظلاميين ـ بعض الكاتبات اللاتي سطرن مقالات تصب في هذا الإتجاه ، أحدها معنون بعنوان : " لست بعورة " ، جعلت منه منبراً لرشق الحجاب بسهام مسمومة .
وقد استهلت كلامها بعدة تساؤلات دالة علي عدم معرفة بمفهوم العورة ، لا لغة ولا اصطلاحاً . وهي كيف يمكن لوجه الإنسان أن يكون عورة ؟ . وكيف يمكن للدال الرئيسي الذي يميزنا أفراداً في جنس البشر أن يحجب ويتم التعتيم عليه ؟ . وهل يمكن أن يكون جزء من هذا الوجه محرما ً ، أعني شعر المرأة ؟ . ولماذا يكون وجه المرأة وشعرها مواطن الفتنة والإغواء دون الرجل ؟ . وهي كما نري أسئلة تدور حول منطقة واحدة ، وتقتصر عليها ، وهي منطقة الرأس والوجه ، وقد انحرفت بالسؤال إلي غير مدلوله حين قالت بتحريم جزء من الوجه وهو الشعر ، بينما المقصود هو تحريم كشفه أو تعريته . ولو رجعنا إلي المفهوم اللغوي والإصطلاحي لوجدنا بينهما وبين كلامها بوناً شاسعاً يكشف مدي القصور في التناول .
فالعورة لغةً : هي كل مكمن للستر يُستَحي منه إذا ظهر . واصطلاحاً : ما يحرم كشفه ، أو ما يجب ستره .
وقد وردت العورة في القرآن في ثلاث مواضع ، الموضع الأول : المكان " يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً " الاحزاب 58 . الموضع الثاني : الزمان " مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ " . الموضع الثالث : عورات النساء " الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء " . ومن هنا يظهر المفهوم العام للعورة ، وهو مفهوم لا ينحصر في العورة البدنية ، وإنما يمتد ليشمل الزمان والمكان .
فإذا انتقلنا إلي العورة البدنية سنجد أنها تشمل النساء والرجال معاً ، فعورة المرأة جسدها فيما عدا الوجه والكفين ، وعورة الرجل من السرة إلي الركبتين ، والمرأة غير المسلمة بالنسبة للمرأة المسلمة كالرجل الأجنبي بالنسبة لها ، والمرأة المسلمة للمرأة المسلمة كالرجل للرجل ، من السرة حتي الركبتين . ولا عورة بين الزوجين .
وهنا يتأتي تساؤلاً للكاتبة مفاده : وهل ينتفي التحريم لو أن المرأة لا تتمتع بقدر من الجمال فامتنعت الفتنة ؟ . وهو ما لا يجوز لأنها جعلت الفتنة علة للتحريم ، فإذا امتنعت الفتنة امتنع التحريم ، وهذا كلام باطل ، لأن التحريم يكون لأن الله قال وليس للفتنة . وفي التحليل والتحريم لا يصح أن تدورالعلة مع المعلول وجودأ وعدماً . وبذا فإن قولها قول مردود لأن الحجاب حكم توقيفي ورد به نص قرآني من المولي وعز وجل .
وتذهب الكاتبة إلي تناول مسألة العورة ، انطلاقاً من القاعدة التي بنت عليها تفكيرها ، وهي قاعدة الثقافة الذكورية المهيمنة . وتقول لما كانت مثيرات الفتنة تعد ثقافة ، والثقافة تعد متغيراً غير ثابت ، يختلف ويتغير من مجتمع لآخر ، ومن عصر إلي آخر في المجتمع الواحد ، ومسألة الإباحة والتحريم تعد مسألة ثقافية ، فإن الإباحة والتحريم مسألة يصيبها التغير والتطور والتبدل . فما كان حراماً بالأمس يصبح حلالاً اليوم وغداً . وما كان حراماً في مجتمع يصبح حلالاَ في مجتمع آخر . وبذلك ساوت الكاتبة بين الثقافة ذات المصدر الإلهي والثقافة ذات المصدر البشري ، وقياسها هنا يعد قياساً فاسداً ، لأنها أخضعت ما هو إلهي ثابت مطلق مقدس لا يطرأ عليه التغير والتبدل إلي ما هو بشري نسبي متغير متبدل متطور . وبذا تنتهي فكرة الدين من القواعد وتنقضي ، وتصبح أثراً بعد عين .
وفي إطار طعنها علي الدين تتساءل : "هل أهتم الدين ــ الذي هو الضمير الخارجي الذي أُنزل علي البشرــ بالتدين الشكّلي الظاهري فقط ، الذي هو العناية بالمنظر دون الجوهر الداخلي ، فكانت عنايته الفائقة بلبس المرأة وحجابها ، وتربية لحية الرجل وتشذيبها من عدمه ، و طول بنطاله ؟ وترك جوهر الإنسان ، أغفل عقله ووجدانه علي مستوي الغرائز؟ بالطبع لا أقصد علي كل المستويات ". وتقصد أن الدين اهتم بشكل الإنسان / الرجل عناية فائقة ، وأغفل جوهره وعقله ووجدانه . أما بالنسبة للإنسان / المرأة فقد حجبها علي مستوي الشكل الخارجي ، وكان جسراً للحجب والتعتيم علي العقل والوجود ، وذلك لصالح الرجل ، الطرف الأقوي في المعادلة .
وقد دلفت الكاتبة إلي الدعوة بتطوير الدين الحالي إلي دين جديد من وضع الإنسان ، بقولها : " لماذا لم يتطور هذا الضمير الخارجي ـ تقصد الدين ـ المفروض علي الإنسان ، بواسطة الإنسان أيضا ؛ ليربي ضميرا داخليا لدي البشر إمرأة ورجل ؟ أقصد ضميرا معنيا بالعدل والمساواة بين الجنسين ، أعني تربية العقل الناقد ، المحلل للظواهر ، والذي يخضعها لمنظومة فكرية فلسفية ، تربي ضميرا داخليا ، تجعله أكثر إدراكا لنفسه وللآخرين ، وتهذيبا لغرائز كل الأطراف ، يستوي في هذا المرأة والرجل ".
وتختتم الكاتبة مقالها بقولها : " أما آن الأوان أن تقف النساء واثقات ليقولن : لا يوجد أي شيء بذواتنا عورة ، وجهي تكريم وتمييز لشخصي ، شعري تاج رأسي لا غواية فيه ، وعقلي لا ينبغي أن يفرض عليه حجابا أو وصاية ، أو أن يمارس نحوه نوعا من الكفِّ وتعطيل التفكير والتعتيم عليه ؟ " . وفي هذا مبارزة لله ورسوله .
ونحن نختتم ردنا عليها بقولنا أن الحجاب ، وتحديد حدود العورة ، فيهما تكريم للمرأة ، لأن فيهما تحديد لنظر الغير، والحدود التي تتوقف عندها حريته ، بدلاً من أن تصبح المرأة كلأً مباحاً ، تتناوشه العيون والشهوات . والكتالوج الذي حدده الله للإنسان هو الأصلح والأنفع سيكولوجياً وفسيولوجيا ، وأدق وأحكم وأعدل من الغير ، مصداقاً لقوله تعالي : " ألا يعلم من خلق ؟ " .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 55 مشاهدة
نشرت فى 5 سبتمبر 2018 بواسطة nsmat

مديحة حسن كاتب وشاعر

nsmat
شعر / خواطر / وطنيات / قصة قصيرة / اخري »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

191,767