جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
ســـــيــدة بـامــتــيــــاز
" صُنع في الثقافة لإسلامية "
ليس انتقاصاً من قدر الكاتبة ، ولا تقليلاً من شأنها ، ولا تسفيهاً لرأيها ، وإنما رغبة مني في الرد عليها دون ذكر اسمها أو درجتها العلمية رفيعة المقام ، دفاعاً عن المرأة ، إزاء ما أثارته حولها من شبهات وأباطيل ، وكونها صنيعة الثقافة الذكورية السائدة والمسيطرة والمهيمنة .
حيث تتعجب الكاتبة من رد فعل المرأة المصرية إزاء الدعوة التي أطلقها الرئيس التونسي بشأن المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث ، وزواج المرأة المسلمة من غير المسلم . وعلة التعجب ومرده إلي استنكار ورفض واستهجان المرأة لما طرحه الرئيس التونسي . وتساءلت الكاتبة عن علة رفض المرأة لهذا الطرح أكثر من الرجل . وفي معرض تفسيرها شنت هجوماً شرساً علي المرأة ، لم تدع فيه نقيصة إلا وبثتها من خلاله .
والكاتبة في تفسيرها لموقف المرأة ركبت موجة واحدة ، شقت بها عباب البحر ، وخاضت غماره . وجدفت بمحراثها محاولة نحت الأثر المطلوب ، والمرغوب فيه ، من فئة من فئات المجتمع العديدة . وهي في محاولتها تلك ، غفلت عن عمد كونها سيدة ، ولو كان ما قالته صحيحاً ، لما كانت ، ولما قالته ، ولما انتهكت حرية بنات جنسها ـ بالمصادرة ـ في الإعتقاد والتصور والتفكير كما يحلو لهن ، كما نالت هي هذه الحرية .
لقد ركبت الكاتبة موجة الخط العلماني ـ أو التنويري ـ الذي ينتهج منهج مهاجمة النص الديني المقدس ، تحت شعارات وأردية مختلفة ، بدعوي تخلفه ورجعيته ، وسلب حق الأخريات في الإعتقاد به ، والعمل بمقتضاه دون النيل منها ، والغض من قدرها .
فقد ذهبت الكاتبة في معرض تفسيرها لموقف المرأة المصرية من دعوة السبسي إلي القول : "أن ثقافة المجتمع السائدة نجحت في جعل المرأة جارية بامتياز، عبدة مقنعة بقناع الحرة، حولتها حارسة على استعباد نفسها وجنسها، فأصبحت هي الأكثر حرصا وتعصبا ضد مساواتها بالرجل . لا ترى في ذاتها استحقاقا للمساواة ونيل مكتسبات ماوصلت إليه رحلة تطور الحضارة البشرية الخاصة بحقوق الإنسان والمساواة ". وهذا تفسير مبتسر يغلب عليه طابع الهوي ، لأن خضوع المرأة قد يكون طاعة لله ورسوله وليس كما زعمت الكاتبة ، التي قد تري المرأة أنه دعوي للتحلل والإنفكاك من مقتضيات الإرادة الإلهية .
واستطردت قائلة : " ثم عضدت الرسالات والنصوص التي أخذت صفة القداسة بصورة أو أخرى طغيان الذكورية، كما رسخت لتدني وضع المرأة عن الرجل من خلال تفسيرات رجالات الأديان الذين هم منتج غلبة العقلية الذكورية، والأداة في يد السلطة السياسية الذكورية غالبا ". وهي بذلك جعلت الثقافة الذكورية قد استعبدت المرأة ، وحولتها إلي حارسة علي هذا الإستبعاد ، ثم زادت علي ذلك باتهامها للرسالات والنصوص الدينية المقدسة بأنها قد انحازت لتلك الثقافة الذكورية ، والعمل علي ترسيخها في النفوس ، وكأنه اتهام للذات الإلهية وتشكيكها في قداسة النصوص الصادرة عنها .
واعتبرت الكاتبة أن رجال التفسير هم منتج غلبة العقلية الذكورية ، وأداة في يد السلطة الذكورية غالباً ، وقد نتج عن ذلك التصور تفسيرها الإقتصادي لقضية ميراث المرأة ، وكأن قضية الميراث من عنديات هؤلاء المفسرين . وتعتبر أن عدم تساوي المرأة بالرجل في الميراث ينتقص من استقلالها الإقتصادي ، وبالتالي ينتقص من حريتها ، ويبقي علي تبعيتها للرجل بحسب تحليلاتها واستنتاجاتها . وهي هنا لا تكاد تفهم قضية الميراث ، أو تفهمها علي نحو مؤدلج يفضي بها إلي تفسيرات خاطئة .
ثم عرجت علي موضوع الشهادة واعتبرتها منتقصة ، وإلحاق اسم الإبن باسم أبيه دون أمه ، ثم تتناقض مع نفسها ومع ما تطرحه حين تقول " وهناك من الأحاديث المتداولة الكثير التي تكرس لهذه المعاني، مستندين للطبيعة الفسيولوجية أوالسيكولوجية الخاصة بالمرأة بتعسف غير علمي " فإذا كان الإختلاف بين المرأة والرجل يستند علي ما ذكرت الكاتبة ، فكيف يوصف بالتعسف غير العلمي ؟ . ثم تعود في موضع آخر لتؤكد : " أن العلم الحديث أثبت التساوي وأن الاختلافات نسبية للغاية لا تمس الجوهر الإنساني ولا قدراته " . إذن الإختلافات علمياً موجودة . واحترام وجود هذه الإختلافات فيه تكريماً للمرأة ، واحتراماً لاستقلاليتها .
ثم تناولت كرؤوس أقلام موضوعات العورة ، والقوامة ، وزواج المسلمة من غير المسلم . وصورت ذلك باعتباره " كتالوجاً " وضعته الثقافة الذكورية عبارة عن خليط عجيب من النصوص والعادات والتقاليد والأمثال الشعبية والقصص والحكايات الفلكلورية .. الخ .
ثم ختمت مقالها باتهامها المرأة بأنها تعاني من فضاء ذهني محله عقلها ، الذي خلفته الثقافة السائدة ، تم طلاء هذا الفضاء بالقداسة وذلك لضمان اللامساس .
وأنا اعتقد أن الإسلام لا يحيط أيا من قضاياه بالقداسة التي تحول دون مناقشاتها حتي مسألة الإعتقاد ، وحرية الإيمان والكفر ، وبالتالي فما دونها أولي ، وليس هناك قداسة لقول بشر سوي النبي المصطفي . وكون المرأة تتخذ موقفاً رافضاً لدعوة السبسي لا يعني أنها تعاني من فضاء ذهني ، وإنما يعني أنها تؤمن بالله ورسوله ، وأنها لا تقدم حكم العقل علي حكم الله ، ولا تضع الحكمين علي خطين متوازيين لا يلتقيان ، وأنها ليست في معرض مصارعة بينها وبين الله . وأنها بذلك سيدة بامتياز من صنع الثقافة الإسلامية .