جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
يعد الحجاب من المسائل الجدالية منذ ظهور الدعوة إلي تحرير المرأة ، بين قائل بوجوبه وفرضيته ـ من الفرض ـ وقائل بعدم وجوبه ولا فرضيته . بين قائل بمشروعيته المستمدة من الكتاب ـ القرآن ـ والسنة ، وقائل بأنه موروث شعبي لا علاقة له بالكتاب والسنة . وهذا يستهدف من وراء دعوته استقطاب المرأة تجاه الدين والتدين انتصاراً لله ورسوله ، في تصوره واعتقاده . وذاك يستهدف استقطاب المرأة تجاه العصرنة والتحرر من القيود ـ في تصوره ـ لأنه يعتبر أن الإلتزام بحدود العورة الشرعية ، والتزام المرأة بالحشمة ، درب من أدراب الرجعية والتخلف .
وعلي إثر هذ الجدل الفكري أصبحت المرأة موزعة بين ثلاث اتجاهات : الإتجاه الأول ـ وقد ذهب إلي الإستمساك بأهداب صورة من صور التدين ، وهي الحجاب ، وستر العورة بحدودها الشرعية ، وارتداء الزي الذي لا يصف ولا يشف ، التماساً لرضا الله ورسوله ، وراحة للنفس ، والتماساً للطمأنينة . الإتجاه الثاني ـ وقد ذهب إلي التحلل من الحجاب ، والتحلل من قيود العورة الشرعية ، وعدم الإلتزام بمواصفتي الزي الذي به تحدد حدود العورة ، وألا يصف العورة ، وألا يشف عنها . الإتجاه الثالث ـ وهو الإتجاه الذي ذهب أصحابه إلي عدم الإلتزام الكامل بما ذهب إليه أصحاب الإتجاه الأول ، وعدم الإلتزام الكامل بما ذهب إليه أصحاب الإتجاه الثاني .
ونحن حين نعرض لهذه الإتجاهات ، لا نعرض لقضايا الإيمان والعقيدة ، فلا الحجاب دليل إيمان وتقوي ، ولا التبرج دليل كفر وزندقة . ولا الحجاب دليل تخلف ورجعية ، ولا عدمه دليل عصرنة وحرية . إننا نعرض لهذه الإتجاهات باعتبارها من القضايا التي شغلتنا قرناً من الزمان ، خضنا خلالها معارك فكرية عاصفة ، فقدنا خلالها مجهوداتنا في مناقشات جدلية عقيمة لا تقدم ، ولكنها بالضرورة تؤخر ، وتضر بالدين والدنياً معاً . وقد تحولت النيات وتبدلت ، فبدلاً من الدفاع عن الدين والتدين لدي الفريق الأول ، أصبح الدفاع عن الزعامة والإنتصار للذات هو المحرك الأول له . وكذا الأمر لدي الفريق الثاني ، فبدلاً من الدفاع عن العصرنة والحرية ، أصبح الدفاع عن الزعامة والإنتصار للذات هو المحرك الأول له .
وقد أصاب الفريقان الغلو والشطط والمغالاة . فتطور الحجاب إلي النقاب ، واتشحت النساء بالسواد ، لأن الأردية الملونة والمزركشة أضحت من قبيل لفت الإنتباه والتبرج بالزينة ومن ينحاز إلي هذا الجانب ينتمي نفسياً واجتماعياً إلي فئة المؤمنين ، وغيرهم دون ذلك . وتطورت الأردية في الجانب الآخر إلي أردية تصف وتشف وتكشف ما لا يصح الكشف عنه ، ومن ينحاز إلي هذا الجانب فهو عصري ومتحضر من الناحية النفسية والإجتماعية ، وغيرهم متخلفين ورجعيين . والفريق الثالث أصبح ما يرتديه خليطاً من الإثنين معاً ، بما يعكس حالة الإضطراب النفسي ، وعدم الإستقرار واليقين .
والقصة في النهاية تخص المرأة وحدها ، إن شاءت إرتدت الحجاب ، وإن شاءت خلعته ، وذلك وفق إرادتها الحرة ، وحسابها بعد ذلك عن هذا وعن ذاك علي الله ، دون استغلالها في الدعاية لهذا الإتجاه أو ذاك ، والنفخ في إرادة المرأة وحريتها حتي تتورم وتنفجر .
أقول ذلك بمناسبة إعلان إحدي الممثلات المصريات خلع الحجاب والعودة إلي التمثيل ، بعد اعتزالها التمثيل وارتداءها الحجاب منذ سنوات ، وجعلت الميديا من الأمر موضوعاً جديراً بالإهتمام . مع أن موضوع الحجاب والإعتزال ، ثم التراجع عنهما ، ليس جديداً ، فقد تكرر هذا المشهد وتم عرضه علي الجمهور حتي الملل والضجر والغثيان . مع أن كلنا يدرك بأن مسألة التحجب والإعتزال قد لا يكون لها علاقة بالدين أصلاً ، وقد يكون لها أسباب نفسية أو إقتصادية أو إجتماعية أو سياسية ، ومن ثم يستوي إرتداءه مع خلعه ، ويستوي الإعتزال مع عدمه . وذلك يقترب مما كان يفعله بعض أصحاب الشركات والمصانع من تخصيص حافز لمن يطلق لحيته من العاملين لديه .
وإذا سئلت عن رأيي في الأمر ، فسأجدني مدفوعا إلي القول بأن الله قد فرض الحجاب ، وأن الرسول قد حدد مواصفات الزي الذي يعد من قبيل التأمين للمرأة ، حتي تحتفظ بقيمتها ومكانتها كاملة لدي زوجها ، بعيداً عن الإبتزال والترخص الذي يقضي علي الخصوصية . ويحفظ لها مكانتها وقيمتها ، إذا تبدل حالها ، وكبر سنها ، وفقدت فتنتها وجمالها ، بأن يمنع عن زوجها النظر إلي غيرها .
وإذا كان لي من نصيحة للمرأة ، فهي تقتصر علي تحرزها في الكلام عن الحجاب والزي ، فلا تنكر فرضيتهما ووجوبهما ، وتعتذر الي الله عن قصور إرادتها عن بلوغ ما فرضه عليها ، حتي تترك الباب مفتوحاً أو موارباً بينها وبين الله ، ولا تغلقه ثم تحرق سفن العودة . ودعونا نتاجر مع الله بدلا من التجارة به .