نسمات مديحة حسن

شعر / خواطر / قصة قصيرة / وطنيات

وقفنا فى لقائنا السابق عند الإستباق الذى جرى بين إمرأة العزيز " راعيل أو زليخا " وبين "يوسف " عليه السلام ، الذى "بلغ أشده"، وآتاه الله "حكما وعلما"وذلك لأن الله يجزى المحسنين ولأن " يوسف "وبصريح الآية " إنه من عبادنا المخلصين" (تسكين الخاء وفتح اللام) 
وكلمة " المخلصين" على النحو الذى أوضحنا تعنى أن الله سبحانه وتعالى قد استخلص يوسف لنفسه؛ وبالتالى لايمكن أن يذهب بنا الظن إلى أن "يوسف" عليه السلام، فى نفسه او فى قلبه نزعة من هوى او ميل نحو إمرأة العزيز ، أو تردد بين المراودة ؛ لأن الله سبحانه وتعالى حينما يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس،لايمكن أبد أن يكون فى قلبه مثقال ذرة من غفله
ولهذا ارى ان بعض المفسرين شطح بهم الفكر الى تصور لايستقيم واختيار الله للأنبياء والرسل، وذلك عند تفسيرهم لمعنى قوله تعالى " ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه" 
إنهم لم يفهموا معنى الهم من جانب امرأة العزيز، والهم من جانب "يوسف".. 
ولو استقام فهمهم لما قال الله "لولا أن رأى برهان ربه" 
ولذلك لماذا اختص الله يوسف بالبرهان دون امرأة العزيز؟! 
وكان البرهان سماعه وقع حركات خارج الباب، وهما يستبقان الى الباب 
وكانت المفاجأة " وألفيا سيدها لدى الباب"..
ولقد اخترت من بين المراجع التى بين يدينا، هذا التصور الافتراضى لمشهد الاستباق كما ذكره الامام القرطبى ،-وهو الراجح لدينا-" أراد الله ليصرف عن يوسف السوء..فسمع حركة بالخارج..توحى بمقدم ربه..-العزيز- فجرى إلى الباب مسرعا للقائه، وجرت هى خلفه لتحول بينه وبين الفرار منها..ولحقته من قميصه من الخلف.. فقطع القميص فى يدها..ووصل الى الباب..ليجد ربه وابن عمها هناك
ويلاحظ ان النص القرآنى أشار الى امرأة العزيز بقوله تعالى " والفيا سيدها لدى الباب" ولم يقل سيدهما،لأن " قطفير"هو زوجها والمفاجأة أصابتها هى ولم تكن تحسب أن ذلك سيحدث، وان " يوسف "هو الأسرع لحوقا بالباب وبالتالى الامر بالنسبة اليه ليس مفاجأة حتى يتغلب عليها
وهذا الذى اصاب "راعيل " جعلها ترتبك، وتبكى لتوحى الى سيدها ان امرا ما حدث لها ،فاستدعت دهاءها قائلة " ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم"
ولقد ذهب البعض إلى القول ..انا نخاف من النساء اكثر مما نخاف من الشيطان؛ لأن الله تعالى قال " إن كيد الشيطان كان ضعيفا " بينما قال للنساء " إن كيدكن عظيم"
لقد وجهت امرأة العزيز الى " يوسف" الاتهام، بأنه كان يريد بها الفحشاء..وانها تمنعت عليه وأبت..وتعففت ..واتهمته بخيانة ولى نعمته الذى أحسن مثواه وتربى فى بيته..فطالبت بسجنه ومعاقبته بالعذاب الأليم. 
هنا الذى آتاه الله " حكما وعلما" يجب عليه أن يدافع عن نفسه؛ لأن هذا الاتهام من جانب امرأة العزيز لايمكن السكوت عليه، وخاصة أنها باتهامها هذا قد سعت إلى فضح أمرها، بينما " يوسف" لم يتكلم عنها الا بعد اتهامها وفريتها بم ادعت وما طلبت ليوسف من سجن أو عذاب اليم، ولهذا دافع يوسف عن نفسه قائلا "هى راودتنى عن نفسى"
ماهو الدليل على ماتقول يامن آتاك الله حكما وعلما؟! إن الله جعل براءة يوسف فى " وشهد شاهد من أهلها"وليس كما يدعى بعض المفسرين، أن يوسف قال ل"قطفير" هى راودتنى عن نفسى ، ونازعتنى قميصى فقطعته،لأنه لو قال يوسف ذلك لما قال الله " وشهد شاهد من أهلها".
وهنا تكمن المعجزة ، ان الله جنب يوسف اثبات براءته لأنه قد يطعن فى قوله مابين الاقتناع وعدم قبول دفاعه عن نفسه، ولذلك جاء الدليل على براءة يوسف وكذب ادعاء امرأة العزيز بشهادة ابن عمها الذى هو " من أهلها"، فالهمه الله الفصل فى الأمر، لبيان أيهما الصادق وايهما الكاذب،فكانت شهادته حجة عليها ودليلا على براءة يوسف من اتهام "زليخا او راعيل له"فقال الذى من أهلها وبنص القرآن " إن كان قميصه قد من قبل ، فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قد من دبر ، فكذبت وهو من الصادقين"
والمعنى ..اذا كان القميص ممزقا من الأمام كان ذلك دليلا على ان يوسف هو الذى كان يراودها ويواجهها لفعل السوء وهى تتمنع عنه دفاعا عن نفسها.
أما ان كان القميص مقطوعا من الخلف، كان هذا دليلا على أن امرأة العزيز تلاحقه ويوسف يحاول الهرب منها.
فكان ان وجدوا القميص مقطوعا من الخلف، وكان هذا دليلا على براءة يوسف عليه السلام، وهذا ما وصفه ابن عمها قائلا لها وبنص القرآن" إنه من كيدكن، إن كيدكن عظيم".
ويبقى سؤال ، لماذا وصف كيد النساء بأنه عظيم؟! لأن كيدهن يصيب القلب ويسلب العقل احيانا،ولأن النساء تاثيرهن على النفس شديد ، ولهن حبائل يواجهن بها الرجال مما جعل البعض يصف النساء بأنهن" حبائل الشيطان "
ولكن يبقى لدينا سؤال ، من هو الذى شهد من أهلها؟! اهو ابن عمها ؟! وكيف كان موفقا فى رأيه الذى كان دليلا على براءة يوسف
بعض الروايات تقول انه كان طفلا فى المهد ، لكن اصحاب هذا الرأى لم يأتوا ببرهان على هذا الرأى لأن ما اشار اليه الشاهد أعظم من ان يكون رأى طفل فى المهد ، ولذا ارى ان عمره فوق ذلك بمراحل لأنه رأى حكيم وعاقل وليس رأى طفل فى المهد
تبقى نقطة اخيره اشار اليها القرآن ، لكن المفسرين تأرجحوا بين من هو قائلها، أهو عزيز مصر "قطفير"..زوج راعيل وسيدها أم هو ابن عمها الذى كان للأخذ برأيه براءة يوسف،لقد طلب من يوسف كتمان هذا الأمر حفاظا على سمعة قطفير الذى اكرم مثوى يوسف، وطلب من راعيل ان تستغفر لذنبها وما ارتكبت من خطأ فى حق نفسها وسيدها واتهامها ليوسف.
وهذا ماسجله القرآن فى الآية 29 من سورةيوسف" يوسف أعرض عن هذا ، واستغفرى لذنبك، إنك كنت من الخاطئين"
ولقد قيل فى شأن قطفير عزيز مصر ، انه كان رجلا حليما، وقيل انه كان قليل الغيره، وأنه كان مطواعا لزوجته وكان زمامه فى يدها
وذهب البعض الى ابعد من ذلك وزعموا ان قطفير لم يكن حازما لانه كان حصورا أى لا يأتى النساء وهذا أحد اسباب شغف راعيل بيوسف بعد ان بلغ اشده واستوى، ولكنها لاتعرف ان الله آتاه حكما وعلما فقال لها " معاذ الله''.
هذا الموقف الذى تعرض له يوسف هو أعظم دور لعبه القميص فى حياة يوسف
ويبقى لنا مع القميص وقفة أخرى ، وهذا هو حديثنا القادم بإذن الله

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 14 مشاهدة
نشرت فى 2 يوليو 2018 بواسطة nsmat

مديحة حسن كاتب وشاعر

nsmat
شعر / خواطر / وطنيات / قصة قصيرة / اخري »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

191,765