نسمات مديحة حسن

شعر / خواطر / قصة قصيرة / وطنيات


الفاتح من ايار ــ ايها السادة الكرام ــ هو عيد العمال , والذي توافقت عليه معظم بلدان العالم في شتى بقاع الارض , لتكريم العامل الذي سُحِق وسلبت حقوقه على مر العصور , رغم انه المنتج الحقيقي , والذي يدير عجلة التنمية في الوطن , فهو العامل والفلاح والمعلم والجندي والموظف , وكل من يقدم خدمة لأبناء الوطن . 
في العصور الوسطى وعصر الاقطاع اعتبر العمال والفلاحون عبيدا عند رب العمل , فملكية الارض في القرى لرجل واحد , يتعهد بتقديم اكبر قدر من الضرائب للدولة , بالمقابل يكون جميع اهل القرية خدما له ولأهل بيته , مقابل لقمة خشنة وبعض الملابس مما استغنى عنه اهل بيت الباشا او العمدة , لقمة معجونة بدمهم وعرق جبينهم , ولم يكن عمال المصانع بأحسن حالا من الفلاحين , فهم ايضا مهضومو الحقوق , الات تدير الات , خاصة اثناء الثورة الصناعية في اوروبا , الى ان ثاروا على الوضع ودفعوا من دمائهم الثمن , وكان على راسهم عمال شيكاغو في الولايات المتحدة في الأول من أيار من عام 1886حيث قاموا بإضرابٍ شامل ، مطالبين فقط بتقليل ساعات العمل لثماني ساعات ، ورافعين شعار " ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم ، ثماني ساعات فراغ للراحة والاستمتاع" . ولم يوافق أرباب العمل على هذه المطالب ، وتدخلت الحكومة , فُتِلَ العديد من المتظاهرين على يد الشرطة , وسُجِنَ عددٌ من كبار العمال ، الذين أُعدِمَ بعضهم , وحُكِمَ على البعض الآخر بسنوات من السجن الطويلة . وفي عام 1894 حدث إضراب بولمان ، والذي مات فيه عددٌ من العمال على يد الجيش الأمريكي ، الأمر الذي حدا بالرئيس الأمريكي (غروفر كليفلاند ) لبحث طرق صلحٍ مع حزب العمل , وليقر عيد العمال وحق العمال في عطلةٍ في ذاك اليوم ، لتجنب حدوث أعمال الشغب واستمرار العنف والمظاهرات والقتل والتخريب , ثم توالت الاحتجاجات وطالت اوروبا , لتقر الحكومات بحقوق العمال وتصدر قانون العمل , والذي يعتبر في بلادنا حبرا على ورق , فقط لنقول للأمم المتحدة اننا دول متحضرة , وعندنا قوانين تضمن حقوق الكادحين .
تعرفون ــ يا دام سعدكم ــ ان اكثر من ثمانين بالمئة من المواطنين بلادنا من العمال الكادحين , او الفلاحين المتشبثين بارضهم , ما سمعنا يوما بان هناك عيدا للعمال , وان العامل يقدَر في هذا اليوم , او ترد له حقوقه المسلوبة اينما حل او ارتحل . في هذا اليوم تعطل المدارس والدوائر الرسمية وشبه الرسمية , بينما يبقي العامل في مصنعه والفلاح في ارضه يديران عجلة التنمية على ارض الوطن .
في البلاد التي تحترم مواطنيها , يعتبر هذا اليوم احتفالا عارما في كل مصنع ومنشاة حكومية او غير حكومية , يغَّرم فيها صاحب العمل التي يثبت ان منشاته عملت في ذلك اليوم , امتنانا من اصحاب المصانع والدوائر الحكومية لعمالها , فيوزعون والحوافز والهدايا والعلاوات على العمال والفلاحين , وتتسابق المصانع في طريقة الترفيه عن عمالها وتكريمهم , فتنظم لهم الرحلات , وتسهل عليهم شراء حاجياتهم من مسكن وملبس وأثاث بالتقسيط وبأفضل الاسعار , والعامل اذا نال حقوقه وكّرم فانه يخلص في عمله , فلا يغش ولا يخون 
في اليابان قبل اعوام قام مديد مصنع بتكريم عماله بطريقة عجيبة , حيث قام بغسل اقدامهم في الصباح وهم داخلون الى المصنع قائلا : نحن عمال عندكم , اذ لولاكم ما نجح هذا المصنع , تماما كما يحصل في بلادنا , بالله عليكم كيف سيكون حبهم لمصنعهم , وتجاوبهم مع التعليمات , بالمناسبة اليابان هزمت في الحرب الكونية الثانية وحملت على اكتافها اكثر من خمسة ملايين بين ارملة ويتيم ومشوه ومعاق .
قبل ايام اصطادت كاميرا هاتف احد المواطنين الاتراك وزيرا تركيا يتجول في احد شوارع العاصمة العامة , واثناء تجوله توقف عند ماسح احذية , ثم قام بتناول الفرشاة منه ومسح حذاء احد الزبائن , قائلا : لولا انتم ما اصبحنا وزراء . فهل يأتي يوم يترك فيه وزراؤنا ومديرو دوائرنا مكاتبهم الفخمة , متجولين في الاماكن العامة والاسواق دون حراسات وكاميرات , مطلعين مباشرة على احوال الناس ومعاناتهم , ولو حصل هذا لما ارتفعت سلعة في الوطن .
وبعد ــ ايها السادة الكرام ــ يقولون ان عاملنا غير مخلص وفلّاحنا غشاش , لا تخرج السلعة من بين ايدهم بالمواصفات المطلوبة . فهل نال هذا العامل حقوقه لنطالبه بأداء واجباته على اكمل وجه , وهل خففت الضرائب والرسوم والمكوس على مدخلات انتاج الفلاح حتى يبيع السلعة للمواطنين غير مغشوشة . 
في خضم هذه المعمعة ــ يا دام مجد اهليكم ــ تضيع حقوق عامل يعمل من خلف الستار دون كلل او ملل , انها المرأة ربت البيت , فضغوطات العمل على رب الاسرة وقلة الراتب وازدياد الضرائب عليه , لا يتح لها فرصة الاستراحة يوما واحدا , حيث تسعى جاهدة لتدبير احتياجات الاسرة من راتب يتأكل يوما بعد يوم , لتمتلئ جيوب وكروش اصحاب السعادة . طبتم وطابت اوقاتكم . وكل عام وعمالنا بخير .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 31 مشاهدة
نشرت فى 6 مايو 2018 بواسطة nsmat

مديحة حسن كاتب وشاعر

nsmat
شعر / خواطر / وطنيات / قصة قصيرة / اخري »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

191,770