نسمات مديحة حسن

شعر / خواطر / قصة قصيرة / وطنيات


تتوالى علينا الذكريات والاحداث الاليمة , كخناجر تغوص في الاحشاء , او كغصة في الحلوق حتى اصبحنا على راي المتنبي :
رماني الدهر بالأرزاء حتى فؤادي في غشاء من نبال
فصرت اذا اصابتني سهام تكسرت النصال على النصال
صادفت يوم الخميس الثاني من تشرين الاول (نوفمبر) الذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم , ذلك الوعد الذي مهد لاقتلاع شعب آمن من ارضه , وتشريده في البلاد واحلال عصابات مكانه بقوة السلاح , على مرأى ومسمع ومباركة العالم باسره .
انا اليوم لا اريد ان احدثكم عن هذا الوعد المشؤوم , وانما سأتحدث عن الوعود البلفورية السخية التي سبقته , والتي تلته ليعلم ابناؤنا من تامر ومن ساعدومن سكت , ولكن ما المقصود بالوعود البلفورية ؟ وهل هناك وعود غير وعد بلفور ؟ تعالوا نكشف المستور , بعد ان تصلو على النبي :
«الوعود البلفورية» مصطلح نستخدمه للإشارة إلى مجموعة من التصريحات التي أصدرها بعض رجال السياسة في الغرب , يدعون فيها اليهود لإقامة وطن قومي لهم في فلسطين ، ويعدون بدعمه وتأمينه نظير أن يقوم اليهود على خدمة مصالح الدول الراعية. اذن فوعد بلفور الحالي ليس هو الوحيد الذي مهد لقيام دولة اليهود على ارض فلسطين , وانما سبقته وعود كثيرة من دول الغرب وروسيا القيصرية قبل حوالي مئة عام من صدوره عام (1917) م ، ثم توالت الوعود حتى وصلت الى ساستنا وكبرائنا . 
لعل اول الوعود البلفورية هو الوعد الفرنسي , والذي ورد على لسان نابليون بعد غزوه المشرق , وقد عهد عنه كراهته لليهود , فوجد ان الوسيلة الوحيدة للخلاص منهم تكمن في تجميعهم في وطن قومي في فلسطين , ففي عام 1799 دعا نابليون يهود العالم في رسالة وجهها لزعمائهم : (من نابليون القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية الفرنسـية في أفريقيا وآسيا إلى ورثة فلسطين الشرعيين . أيها الإسرائيليون ، أيها الشعب الفريد ، الذين لم تستطع قوى الفتح والطغيان أن تسلبهم اسمهم ووجودهم القومي ، وإن كانت قد سلبتهم أرض الأجداد فقط .... إن الجيش الذي أرسلتني العناية الإلهية به ، والذي يقوده العدل و يواكبه النصر ، جعل القدس مقرًّا لقيادتي ، وخلال بضعة أيام سينتقل إلى دمشق المجاورة التي لم تَعُد تُرهب مدينة داود . يا ورثة فلسطين الشرعيين : إن الأمة التي لا تتاجر بالرجال والأوطان ، تدعوكم لا للاستيلاء على إرثكم , بل لأخذ ما تم فتحه والاحتفاظ به بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء ) . لكن الحملة على المشرق فشلت , فجمد المشروع الى حين .
الوعد البلفوري الثاني من المانيا في كتاب وجهه دون إيلونبرج باسم حكومة القيصر إلى (هرتزل ) زعيم الحركة الصهيونية مؤرخ في سبتمبر (1898) وجاء فيه: 
(إن صاحب الجلالة على استعداد أكيد أن يناقش الأمر(توطين اليهود) مع السلطان العثماني آنذاك عبد الحميد الثاني ، وقد أصدر جلالته أوامره بأن تُذلِّل كل الصعاب التي تواجه استقبال وفدكم . وأخيراً يحب جلالته أن يخبركم عن استعداده أن يأخذ على عاتقه مسئولية محمية (يهودية) في حالة تأسيسها . وجلالته حينما يكشف لكم عن نواياه، فهو يعوِّل، بطبيعة الحال ، على مقدرتكم على الكتمان ) . ورغم حرصه على تبنِّي المشروع الصهيوني ، إلا أنه لم يكن مدركاً مدى عُمْق الرفض العثماني للمشروع الصهيوني ، وهو الأمر الذي أدركه إبان زيارته لإستنبول . وجمد المشروع مرة اخرى . 
الوعد البلفوري الروسي القيصري سنة (1903) م ، صَدَر الوعد البلفوري القيصري رسالة وجَّهها فون بليفيه إلى تيودور هرتزل : (ما دامت الصهيونية تحاول تأسيس دولة مستقلة في فلسطين ، وتنظيم هجرة اليهود الروس ، فمن المؤكد أن تظل الحكومة الروسية تحبذ ذلك , وتستطيع الصهيونية أن تعتمد على تأييد معنوي ومادي من روسيا إذا ساعدت الإجراءات العملية التي تفكر فيها على تخفيف عدد اليهود في روسيا).
الوعد البلفوري الامريكي في 7 نوفمبر 1917 أي بعد خمسة ايام من صدور الوعد البلفوري البريطاني اصدرت الولايات المتحدة بيانا ايدت فيه ودعمت المشروع البريطاني , ثم جاءت مباركة بابا الفاتكان لتتمم المشروع , الذي مهدت له بريطانيا بتسهيل الهجرات اليهودية الى فلسطين ثم بقوة السلاح .
هذا يادام فضلكم بعض الوعود البلفورية الغربية وهي في معظمها كراهية لليهود , ورغبة في التخلص من شرورهم . لكن ما رايكم ــ دام فضلكم ــ بالوعود البلفورية العربية , التي قدمت لهم , اما لسواد عيونهم , او لدوافع اخرى يعلمها الله والراسخون في العلم . 
اول وعد بلفوري عربي حصل عليه الصهاينة بالخداع , كان ذلك في مؤتمر رودس 20 يوليو 1949 والذي عقد برعاية بريطانية , بحجة الفصل بين القوات المتحاربة على ارض فلسطين , بعد ان احس الغرب ميل المعادلة لصالح الجيوش العربية , فوقعت اتفاقية هدنة لحين البحث عن الحل الدائم , ورسمت الخطوط على الخريطة يومها باللون الاخضر . ليكتشف الزعماء العرب بعد التوقيع على اتفاقية الهدنة الدائمة , وبإشراف الامم المتحدة , ان عليهم ان يسلّموا لليهود وبدون قتال منطقة عرفت بالمثلث تضم ستة مدن وثلاثا وعشرين قرية , في منطقة تمتد من شمال جنين وحتى وسط فلسطين , ثم ليصبح هذا الخط فيما بعد حدود الدولة العبرية . 
الوعد البلفوري العربي الثاني : في عام 2002. وقد تم الإعلان عن مبادرة السلام العربية في القمة العربية المنعقدة في بيروت , قررت فيها الدل العربية التطبيع الكامل مع اليهود ان هم انسحبوا من الضفة الغربية , أي اعتراف كامل بالسيادة على اراضي 1948
الوعد البلفوري الثالث : تهافت عدد كبير من الدول العربية للتطبيع مع اسرائيل دون الانسحاب من الضفة الغربية , واصبح زيارة الوفود الاسرائيلية الى هذه البلدان امر طبيعي , وكذلك زياراتهم السرية والعلنية الى الكيان .
الوعد البلفوري الرابع : فتاوي عدد من علماء السلاطين العرب تحريم قتل او طعن الجندي الاسرائيلي في انتفاضة الاطفال , انتفاضة القدس التي راح ضحيتها اكثر من 300 طفل , واعتذار بعض الزعماء العرب عن مشاركتهم في حرب اكتوبر 1973 على الكيان .
وبعد ــ ايها السادة الافاضل ــ فهذا موقف الساسة والحكام وعلماء السلاطين, ووعودهم البلفورية , اما موقف الشعوب فشيء مختلف , تلخص في موقف رئيس مجلس الامة الكويتي , رجل المواقف( مرزوق الغانم ) الذي طرد الوفد البرلماني الصهيوني , في المؤتمر البرلماني المنعقد في روسيا في 18 من فبراير الماضي , ووصفهم بانهم قتلة اطفال ومعتقلو نواب الشعب الفلسطينيين . وتاكدوا انه لو بقيت امرأة واحدة على ارض فلسطين لن يغمض للصهاينة في فلسطين جفن , ولن يهنئوا بعيش , ولن ينعموا باستقرار . وصدق من قال : في النهاية سيكتشف الجميع أن إسرائيل أحتلت الوطن العربي كله ، ولكنها لاتزال تحاول احتلال فلسطين . طبتم وطابت اوقاتكم .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 27 مشاهدة
نشرت فى 5 نوفمبر 2017 بواسطة nsmat

مديحة حسن كاتب وشاعر

nsmat
شعر / خواطر / وطنيات / قصة قصيرة / اخري »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

191,772