حــســـــــن زايــــــــــد .. يـكـتـب :
مــصـــر ونــون الـنـســـــــوة
فزعت ، وحُق ـ وجب وثبت ـ لي أن أفزع ، وحُق لكل مصري مهموم بأمر الوطن أن يفزع . والفزع الذي أعنيه هنا ، ليس من قبيل الفزع المتعارف عليه لدي المصريين ، من ضرب الصدر بكف اليد مصحوباً بصرخة :" يا خراشي " . والشيخ الخراشي شيخ الأزهر الشريف ، في فترة سابقة من التاريخ المصري ، كان يفزع الناس إليه إذا ألمَّت بهم ملمَّة . وما زال الشيخ حياً علي ألسنة المصريين ، بصرخة يا خراشي . ولكن الملمَّة ـ النازلةُ الشديدة من شدائد الدهرْ ،أو المُصِيبَهُ العَظِيمَةُ ـ هذه المرة ، لن تجدي معها صرخة الخراشي ، ولا غير الخراشي . والأكثر إفزاعاً أن المجتمع المصري لم يستشعر النازلة المدلهمة التي حلت به ، تخدراً ، أو تغافلاً ، أو إهمالاً ، أو انتحاراً . وعاش في حضنها مسترخياً ، تبدوعلي ملامحه علامات الرضا والقبول ، وبالأحري الإستسلام والنوم . تلك المصيبة العظيمة التي قد تدفع بالمجتمع إلي الإنتحار الذاتي ، هي قضية نون النسوة أو المرأة المصرية . والأعداد التي أبرزها التعداد السكاني الإلكتروني في مصر ، أعداد ذات دلالات ، وإرهاصات بشأن القادم في المجتمع المصري . وإذا لم يتم التعامل مع القضايا المثارة بهذا الشأن ، دينياً ، وتشريعياً ، ومجتمعياً ، فالأسوأ قادم لا محالة . ويتعين علي مراكز الأبحاث المتاحة ، والجامعات المصرية ، والسينما والمسرح والتليفزيون ، تصحيح مساراتهم بشأن خدمة البيئة المحيطة ـ سواء علي المستوي المحلي أو المستوي القومي ـ ويُعْمِل علماء النفس والإجتماع ، والمثقفين ، علمهم ومعارفهم ، في جسد المجتمع المصري . والسؤال الذي يجب تعليقه فوق الرؤوس ، حتي يظل ماثلاً أمام أعيننا جميعاً ، أفراداً ، وجماعات ، ومؤسسات ، هو : ماذا نحن فاعلون ؟ . عندما يكون لديك عدد المطلقات يتخطي تعداد بعض الدول ، ونفس الأمر بالنسبة للأرامل ، والعانسات ، والخوالع ، والمتزوجون تحت سن 18 سنة ، وحالات زواج البنات في سن 12 سنة من عمرها ، فما فوق . والأهم بالنسبة لي ـ في هذا المقال ـ هو إيراد الأسباب ، دون إيراد الأعداد والنسب المئوية ، فالأخيرة لها مظانها ، التي يمكن البحث فيها . أما عن أسباب حالات الخلع والطلاق فيمكن حصرها ـ علي الظاهر ـ فيما يلي : 1ـ تدخل الأهل فيما بين الزوجين . 2 ـ الزواج السريع . 3 ـ عدم الإنجاب . 4 ـ العلاقات المتحررة قبل الزواج . 5 ـ انعدام الحب . 6 ـ العنف الزوجي . 7 ـ الخيانة الزوجية . 8 ـ تعاطي المخدرات والمسكرات . 9ـ مواقع التواصل الإجتماعي . 10ـ إفشاء الأسرار العائلية للأهل والأصدقاء . 11 ـ عدم التكافؤ الإجتماعي بين الزوجين . 12 ـ سوء الأوضاع الإقتصادية . 13 ـ زواج صغار السن في مرحلة الطفولة . وليت الأمر يتوقف علي المطلقين فقط ، وإنما يمتد بآثاره السلبية المدمرة ، إلي نتاج هذا الطلاق وثمرته . حيث تدفع الأرحام بالملايين من الأطفال ، الذين يجري تشويههم نفسياً بالضرورة ، ومن بينهم أولاد الشوارع ، والبلطجية ، واللصوص ، والشواذ جنسياً ، والإرهابيين . والأسوياء منهم لا يجري تعليمهم ، ويتم إضافتهم إلي رصيد الأمية المرعب ، سواء أمية القراءة والكتابة ، أو الأمية الثقافية ، بعد أن ضاعت منه المدرسة / الأساس / الأم . وعلاج قضية الطلاق يتمثل في تفعيل الدين في النفوس ، حتي يدرك الناس : أن الطلاق حلال ، ولكنه أبغض الحلال عند الله . وإن كان ليس من الطلاق بد : "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " . وحين يفعل الناس ذلك لا يتعين عليهم ألا ينسوا الفضل بينهم . ويبقي سؤال : كيف يمكن لنا خلق الآليات اللازمة لتنفيذ تلك الوصايا الإلهية ؟ . وكيف يمكن استصدار تشريع يجرم زواج القاصرات ؟ . أما زيادة نسبة العنوسة ، فليس من المتصور أن يكون سببه إقتصادياً ، في مجتمع فيه زواج قاصرات علي النحو الحاصل في مصر . ولو بحثنا بحق عن السبب الرئيس في وجود العنوسة ، فستجده في ارتفاع معدلات الطلاق علي هذا النحو المخيف من ناحية ، وإقرار قانون الخلع من ناحية أخري ، وهذا ما يدفع الشباب إلي الإعتقاد ، بأن الزواج مشروع اجتماعي فاشل ، وتكلفته عالية . وتكون النتيجة الحتمية الإحجام عن الزواج . وتبقي حالة الأرامل التي تتطلب تكاتف المجتمع معهن ، حتي يعبرن ما يتعرضن له من مزالق ونكبات . والتصرف المدروس من جانب مؤسسات الدولة لموقف أبناءها حال رغبتها في الزواج ، فلا يجري حرمانها من هذا الحق ، ولا يضيع أبناءها من بعدها . نصف المجتمع ـ المرأة ـ يئن ، ويبقي أن نرفع عنه أسباب الأنين . فنحن الشعب الذي أدرك قيمة المرأة كمدرسة للمجتمع ، وصاغها أمير الشعراء لدينا شعراً . فهل يتسني للمجتمع ـ كل المجتمع ـ أن ينزل بما قاله أحمد شوقي شعراً ، إلي أرض الواقع ، حياً من لحم ودم ، وحركة دائبة لا تنتهي ؟ . هذا هو السبيل .