جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
حـســــن زايــــــد .. يكتب :
حــرب الـعـقـول واســتـلاب الإرادات
حرب العقول هي حرب ، ميدان قتالها عقل الإنسان ، أهدافها قصف الفكر والإتجاهات والمدارك ، وفي جملة واحدة التفكيك النفسي للإنسان . وهناك تعبير درج الناس علي استعماله للتعبير عن هذه الحالة ، هو : " غسيل المخ أو الدماغ " . وهذا النوع من الحروب يطلق عليه اصطلاحاً حرب الجيل الرابع . ويطلق عليها أيضاً الحرب الناعمة . فما هي الحرب الناعمة ؟ .
عرف جوزيف ناي القوة الناعمة ـ في كتابه القوة الناعمة ـ بأنها " القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً عن الإرغام ، وهي القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج والأهداف المتوخاة بدون الاضطرار إلى الاستعمال المفرط للعوامل والوسائل العسكرية الصلبة، وهذا ما حصل مع الاتحاد السوفياتي حيث تم تقويضه من الداخل، لأن القوة لا تصلح إلا في السياق الذي تعمل فيه، فالدبابة لا تصلح للمستنقعات، والصاروخ لا يصلح لجذب الآخرين نحونا " .
وعندما نتحدث عن القوة الناعمة ـ وفقاً لذلك ـ نقول بأن الحضارة الأورو/ أمريكية قد ارتأت ـ نتيجة تجاربها الإستعمارية السابقة ـ أن الإعتماد علي القوة الصلبة أو الخشنة أصبحت تكلفته باهظة ، فضلاً عن وصول البشرية إلي حالة النضج ـ والقناعة ـ التي لا تسمح بالوصول إلي الأهداف المطلوبة عن هذا الطريق . ومن هنا التجأت أمريكا إلي القوة الناعمة .
تلك هي الحرب الناعمة ، أما العقل ميدان المعركة ، فهو قد سمي عقلاً لأنه يعقل صاحبه ، أي يحبسه عن التصرف العشوائي الناتج عن مقتضي الطبع فيه . والعقل هو الفاعل في الفعل المعرفي ، حيث يمثل مركز الإدراك والوجدان والشعور ، وهو أساس النظر والتأمل والإستنباط ، وهو مصدر النزوع البشري للتصرف ، أو هو مصدر السلوك الإنساني .
كيف يصبح العقل ميداناً للمعركة ، وما هي الأسلحة المستخدمة في هذه الحرب ؟ .
لو أردنا البحث عن إجابة ، فلابد أن ندرك أن الشيطان ، وهو يحارب البشر ، لا يستخدم وسائل وأدوات الحرب الخشنة أو الصلبة ، أي أنه لا يستخدم الدبابات والمدرعات والصواريخ والقنابل وغيرها من الأسلحة المادية الفتاكة ، وإنما يلتجيء إلي العبث بمنطقة العقل ، عن طريق التدليس والغش والتزوير والتزييف وقلب الحقائق وضرب الثوابت وتزييف الوعي والإغواء والجذب والإستمالة ، وذلك دون أن يظهر بصورة علنية مباشرة .
ويبدو أن الحضارة الغربية ـ الأورو / أمريكية ـ قد تتلمذت علي يد الشيطان ، وأقتبست عنه أساليبه وأدواته . فهي قد جنبت الجزء الصلب من المعارك جانباً ، حتي لا تكون الحرب علنية ظاهرة مباشرة ، وقدمت القوة الناعمة . وكانت أدواتها في هذه الحرب الكتب والجرائد والمجلات ، والسينما ، ووسائل الإعلام السمعية والبصرية ، من راديو وتلفزيون ، وشبكة الإنترنت ، ومواقع التواصل الإجتماعي .
وهذه الحرب تعد حرباً شاملة ـ كأسلحة التدمير الشامل ـ تستهدف الجميع ، أطفال ، شباب ، رجال / سيدات ، شيوخ . وتدخلت في كافة تفاصيل حياتنا . وفي كل الأوقات ، علي مدار الساعة .
وقد قلنا أنها تعتمد في الأساس علي التفكيك النفسي للإنسان ، فيجري تخريبنا من الداخل ، والعبث بمنظومة القيم الحاكمة ، وتشوييها ، وتعديلها ، وضرب الثوابت في حياتنا ، فنسقط داخليا ، وبأدواتنا ، وبأيدينا دون أن ندرك ما يحصل لنا ، ونندفع في حياتنا ، ونحن سعداء بما يحصل .
والمثال الحي للحرب الناعمة تلك الحرب التي خاضها الغرب وأمريكا ضد الإتحاد السوفيتي السابق ، الذي انهار داخلياً أواخر القرن الماضي . وفي الوقت الراهن قد تطورت الأدوات ، والوسائل ، والأساليب ، والتكتيكات المستخدمة في هذه الحرب . وحقل التجارب عليها المختار لإختبار تطورات هذه الحروب هو منطقتنا العربية . فأطلقت أمريكا مصطلح الفوضي الخلاقة ، واندفعت وراءه بكل قوتها وجبروتها الإعلامي والإقتصادي . واندلعت ثورات الربيع العربي ، ونتج عنها انهيار مجتمعات عربية من الداخل ، مثل ليبيا وسوريا واليمن .
والإشكالية في هذه الحروب أنها بالفعل تستلب إرادة البشر ، وإرادة المجتمعات . ومن يخضع لهذه الحروب ، ويصبح أحد ضحاياها ، يكون من الصعوبة بمكان مناقشته ، أو إقناعه ، إذ أنه يتشبث بما جري صبه في عقله من خلال الصورة ، التي قد تكون مفبركة ، والفيديوهات التي قد تكون معدة سلفاً ، في استوديوهات مجهزة بديكورات معينة ، ومؤثرات صوتية ، وحيل وألاعيب وخدع سينمائية . وكذا الكلمة المكتوبة المكذوبة . والصورة والفيديو والكلمة لا تمر هكذا مرور الكرام ، وإنما يتم الإلحاح بها علي نحو دائم ومستمر ، علي نحو يجعل العقل أسيراً لها ، وضحية لها . فهل نسلم أنفسنا أسري في هذه الحرب ؟ !