نسمات مديحة حسن

شعر / خواطر / قصة قصيرة / وطنيات

حـســـــن زايـــــــد .. يـكـتـب :
عـن الـدســتـور ســألـونـي
أطل بوجهه من آخر الحارة ، وسط الزحام والحر ، واللزوجة ، والضوضاء ، يحث الخطي ، وهو يكاد يفترس من يصادفه ، وقدماه تنهب الرصيف نهباً ، محدثة غباراً متصاعدا ، يكتم الأنوف المتأففة .ً جر الكرسي بعنف ، ثم جلس وهو يخبط المنضدة بكلتا يديه . وفي مواجهته أجلس عجوزاً ، أشيب الشعر ، أخاديد وجهي تتدلي علي الجانبين ، فقلت له بهدوء ، وأنا أسحب دخان نرجيلتي ، وأنفثه في وجهه ، من باب الإغاظة : ماذا تشرب ؟ . فقال دون تدبر : سم ! . قلت وأنا أبتسم : لماذا ؟ . قال : ألا تعلم . ولم ينتظر الإجابة ، واستطرد قائلاً : ألم يكفهم ما يحدث للمواطن ، من غلاء للأسعار ، وتدني للدخول ، وتآكل للكرامة ، وإهدار للحقوق ، وتقلص للحريات ، وانخفاض في مستوي المعيشة . فامتدت أيديهم ـ نفاقاً للرئيس ـ طلباً لتعديل الدستور ، الضمانة الوحيدة الباقية للأجيال القادمة ؟ . قلت : هل طلب الرئيس ذلك ؟ . فقال علي استحياء : لا . ولكنها مفهومة ! . فالتعديل مطلوب لأجل مد الفترة الرئاسية للرئيس . قلت مبتسماً وأنا أضع مبسم النرجيلة بين شفتي : أنت تحكم بالإنطباعات الأولي ، والإنطباعات الأولي لا تدوم ، وحملت الرجل مسؤولية ما ليس سبباً فيه ، ولا مسؤولاً عنه . وكان يتعين أن تسأل نفسك : هل لا يجوز تعديل الدستور ، أي دستور في العالم ؟ . فأجاب : بلي يجوز ، أي دستور في العالم قابل للتعديل ، والتغيير ، والتبديل ، طالما دعت الضرورة لذلك ، ونحن نري أنه لا ضرورة الآن للتعديل . قلت : أنت وجهة نظر واحدة ، وهناك من يري وجود تلك الضرورة ، وأنت تصادر علي رأيه . قال بامتعاض : وما هي تلك الضرورة ؟ . قلت له : اطلب لنا مشروباً ، وطاولة ،ونرجيلة ، فصفق للنادل ، فحضر ، وسجل المطلوب ، وانصرف . قلت : لا تدع فكرة التعديل من أجل الرئيس تهيمن عليك ، ولا تدع هواجس التاريخ تطارد تفكيرك ، ثم تدبر الأمر ، وتساءل بينك وبين نفسك ، بعد أن تنعم النظر في مواد الدستور ، دون تأثر بآراء الآخرين ، التي تمثل طحناً بغير دقيق ، ما هي المواد الدستورية المعوقة ، والجديرة بالتعديل ؟ . أحضر النادل المطلوب ، وانحني منصرفاً . تناولت كوب الشاي ، وأخذت رشفة شاي كبيرة ، وأدرت مبسم النرجيلة في فمي ، وأخذت نفساً عميقاً ، ثم نفثت دخاناً كثيفاً ، وأنا أسعل بصوت عال سعالاً مشروخاً ، أعقبته برشفة شاي أخري . هو ينظر في بؤبؤ عيني متميزاً من الغيظ . فتحت الطاولة ، وعبثت أصابعي بأوراق اللعب ، وزهرتي النرد . تفاجأت به يغلق الطاولة بعنف ، ويضع مرفقيه فوقها ، ثم يحتضن خديه بين كفيه ، ويقول وهو يخرج الحروف من بين أسنانه : أكمل . قلت : عندما تكون هناك مواد بها اختلالات هيكلية ، تدخل بك حواري مزنوقة ، فتجد ظهرك للحائط ، ماذا أنت فاعل ؟ . ألا تستوجب التعديل ؟ . وعندما تجد نفسك أسيراً لمواد حالمة ، تحلق بك في الفضاء ، دون سند من الواقع ، لا يمكنك تنفيذها ، أوالإلتزام بمقتضاها ، ألا يجدر بك التفكير جدياً في تعديلها ؟ . فإذا به يعتدل في جلسته ، ويقول متحدياً : مثل ماذا ؟ . قلت بهدوء الواثق : أما عن الإختلالات الهيكلية ، فالدستور ـ شأن دساتير العالم ـ يسعي لتحقيق التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية . وتختلف أنماط الحكم بحسب اختلاف أساليب التوازن . فإذا تم الدمج بين السلطتين ، أصبح نمط الحكم برلمانياً . وإذا تم الفصل التام بين السلطتين ، أصبح نمط الحكم رئاسياً . وإذا تم جمع بعض سمات النمط البرلماني ، وبعض سمات النمط الرئاسي ، أصبح نمط الحكم شبه رئاسي . والدستور المصري الحالي تبني سمات النظم شبه الرئاسية ، ومع ذلك خالفها في بعض القضايا الأساسية التي تمثل اختلالات هيكلية ، ومن أمثلتها : الأول ـ أن الدستور قد منح الرئيس ـ شأن الأنماط شبه الرئاسية ـ حق حل مجلس النواب ، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ، ثم قيد هذا الحق بقيود الضرورة ، والتسبيب ، وموافقة الأغلبية ، والإستفتاء ، وألا يكون قد تم حل المجلس السابق لذات السبب . في حين أعطي مجلس النواب الحق في سحب الثقة من الحكومة دون قيود ، ففقد بذلك التوازن اللازم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية . الثاني ـ تركنا الدستور في مهب الريح دون أن يحدد لنا كيفية التصرف حال رفض الإستفتاء حل البرلمان ، لأن هذا يعني عودة البرلمان للإنعقاد . فهل يستقيل الرئيس ؟ . أم يقدم البرلمان علي سحب الثقة ؟ . وكيف سيتعامل مع برلمان أقدم علي حله ، وكيف سيتعامل البرلمان معه ؟ . الثالث ـ التناقض الذي وقع فيه الدستور ، فقد أعطي الحق للبرلمان في سحب الثقة من رئيس الجمهورية ، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة . في حين أن رئيس الجمهورية ـ في النظم شبه الرئاسية ـ المنتخب من الشعب ، يكون مسؤولاً أمام ناخبيه . وقد خلط الدستور بين المسؤولية السياسية ، والمسؤولية الجنائية . فالمسؤولية السياسية تكون أمام الشعب ، أما المسؤولية الجنائية فتكون أمام مجلس النواب . كما أنه خلط بين النظام البرلماني ، والنظام شبه الرئاسي ، في محاسبة رئيس الجمهورية سياسياً ، وجعله بذلك كرئيس مجلس الوزراء . الرابع ـ جعل الدستور تشكيل الحكومة لوغاريتم ، فتشكيل الحكومة في النظم شبه الرئاسية أشبه بالنظم البرلمانية ، حيث يتم تكليف زعيم الأغلبية بتشكيل الحكومة من رئيس الجمهورية ، فإذا فشل في الحصول علي الثقة ، يقوم رئيس الجمهورية بتكليف آخر من الحزب الحاصل علي الأكثرية ، فإذا فشل في حيازة الثقة ، عُد مجلس النواب منحلاً ، ويدعو رئيس الجمهورية إلي انتخابات برلمانية جديدة . ولم يبين الدستور ما هو الإجراء المتبع حال رفض البرلمان الجديد قبول تشكيل وبرنامج الحكومة ؟ . شعرت بالصداع الشديد ، فتوقفت عن الكلام ، طالباً منه إمهالي لجلسة أخري . فحثني علي الكلام ، فطلبت منه شطائر فول وفلافل ، وفنجان من القهوة ونرجيلة . فاستجاب علي الفور . فقلت له لم يبق سوي المواد الحالمة . فحين يحدد نسب قطاعات التعليم ، والتعليم العالي ، والبحث العلمي بـ : 10% من الناتج القومي لكل قطاع . فمعني ذلك استئثارها بـ : 40% من الموازنة العامة للدولة ، وهذا يعني العجزعن تغطية باقي قطاعات الدولة . ولايمكن القول إلا بأنها مواد حالمة . ولم يبق سوي تعديل مدة ولاية رئيس الجمهورية من أربع سنوات إلي ست سنوات . والمبرر المساق هو استكمال المشروعات التي بدأها ، حال انتخاب الرئيس لفترة ولاية ثانية . والتعديل هنا في زمن المدة ، وليس في عدد المدد . والذي يستند إلي المادة 226 في عدم التعديل ، فهي السند الدستوري في طلب التعديل . وأخذت نفساً عميقاً من نرجيلتي ، وقلت وأنا أنفث الدخان الكثيف في الهواء : لذا أنا مع التعديل .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 37 مشاهدة
نشرت فى 30 أغسطس 2017 بواسطة nsmat

مديحة حسن كاتب وشاعر

nsmat
شعر / خواطر / وطنيات / قصة قصيرة / اخري »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

191,757