جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
حــســـــن زايــــــــد ... يكتب :
الـســـادات ومـلـف الجـمـاعـات الإرهــابـيـة
لقد ذهب البعض إلي اعتبار العهد الناصري ـ في مصر ـ هو من شكل مفارخ لتنشئة المتطرفين والإرهابيين . وذلك بقيامه بالتضييق السياسي في مجال الحريات ، ومن صور هذا التضييق إلقاء القبض علي الألاف من الإخوان ، في بداية الثورة المصرية ، بعد حادث المنشية ، وتنفيذ أحكام الإعدام في بعضهم . ثم معاودة الكرة عليهم في تنظيم 1965م ، والذي أعدم فيه سيد قطب وآخرين . وتفهم من كلام هذا البعض أن العلاقة بين ما حدث في سجون عبد الناصر ، وبذر بذور التطرف والإرهاب ، هي علاقة السبب والنتيجة أو العلة والمعلول ، والقاعدة أنه لولا السبب ، لما كانت النتيجة ، ولولا العلة ما كان المعلول ، وبلغة المناطقة لولا المقدمات لما كانت النتائج . وفي هذا ظلم بين للنظام الناصري لأنه ربط التطرف والإرهاب ، بالنظام الناصري ، وجوداً وعدماً . وهذا المنطق يتهدم أمام منطق وقائع التاريخ التي سبقت الناصرية ، والشاهد عيان ـ تاريخياً ـ علي وجود هذه الجرثومة ، في النطفة الجنينية ، في رحم هذه الجماعات .
وقد انتقلت ذات التهمة للنظام الساداتي ، ولكن من الوجه الآخر للعملة . فقد اتهم نظام السادات بأنه قد أطلق سراح المسجونيين ، وعلي رأسهم جماعة الإخوان . وقد قيل في حق النظام ـ وربما يكون صحيحاً ـ أنه قد تم الإفراج عنهم ، لإحداث التوازن السياسي . إذ أن موقف فلول النظام الناصري من السادات ، ومناهضته ، والمزايدة عليه ، ومحاولات النيل منه ، والهيمنة عليه ، وتهميشه ، قد دفع كل ذلك به ، إلي الإفراج عن الإسلاميين ، لمواجهة الشيوعيين ، وأذنابهم ، في الشارع السياسي . ووجه الإتهام هنا أن السادات أفسد ما فعله عبد الناصر بإطلاقه سراح هذه الفيروسات من القمقم .
ولعل السادات قد فعل ما فعل انطلاقاً من قاعدة وطنية . كان الهدف منها فتح باب الحريات ، والحد من القيود السياسية التي فرضها ناصر، وكان من نتيجتها هزيمة يونيه 1967م . وإعطاء المجتمع قدر من الحراك بما يسمح بمعالجة الأمراض الإجتماعية الموروثة ، الناتجة عن ضرورات ومقتضيات الفعل الثوري ، والإستشفاء منها ، بقصد الإستعداد والجاهزية لمعركة التحرير . لأن الجبهة الداخلية هي ركيزة جبهة القتال ، وسلامتها من سلامتها .
ومن المفترض وفقاً لقواعد المنطق ، أن يؤدي الإجراء الساداتي ، إلي التصالح مع النفس ، ومع المجتمع ، ومع الدولة ، من جانب الإسلاميين . فلو كانوا أسوياء لكانت المقدمة من السادات ، معقوبة بما يتناسب معها من نتيجة ، ليس من باب استرداد الحق المسلوب ، لأن الإسترداد ليس ذاتياً ، وإنما من باب رد الجميل . ولكن كما أشرنا من قبل ، فإن الجرثومة موجودة ، في النطفة الجنينية ، لهذه الجماعات . ولا علاقة للنظامين الناصري والساداتي بوجودها من قريب أو بعيد .
والأدلة علي ذلك ما يلي :
ـ حوادث القتل في العهد الملكي ، حتي أنها طالت رئيس مجلس الوزراء ، محمود فهمي النقراشي وآخرين .
ـ محاولة اغتيال عبد الناصر في حادث المنشية بالأسكندرية سنة 1954 م . ومحاولة تدمير مصر من جانب تنظيم 1965م .
ـ وفي العهد الساداتي هناك سلسلة متعاقبة ، من الأحداث تستهدف القفز علي السلطة :
* تنظيم صالح سرية : وقد قام ببناءه سنة 1973م ، بهدف الإستيلاء علي الكلية الفنية العسكرية ، والإستيلاء علي ما بها من أسلحة وذخائر ، ثم التوجه إلي اللجنة التنفيذية للإتحاد الإشتراكي ؛ لاعتقال رئيس الجمهورية ، والإستيلاء علي السلطة .
* جماعة المسلمين أو التكفير والهجرة : وقد أسسها شكري أحمد مصطفي ، فور الإفراج عنه . وكانت أول صور الإغتيالات قد بدأت في الجماعة ، بتصفية أعضاءها المنشقين عنها ، باعتبارهم مرتدين عن الدين . وقد قامت الجماعة بتشكيل فرق موت لملاحقة وتتبع المنشقين . وقد بلغت ذروة نشاطها الإرهابي في اختطاف الشيخ الذهبي ، وزير الأوقاف ، وتصفيته .
* تنظيم الجهاد : وقد ظهر هذا التنظيم ، أثناء وجود التكفير والهجرة . وكان أعضاء هذا التنظيم من المفرج عنهم من تنظيم الفنية العسكرية . وقد تمت محاكمته في ذات توقيت محاكمة تنظيم التكفير والهجرة .
* تنظيم الجهاد الجديد : لم يكد يمضي عام علي محاكمة تنظيم الجهاد ، حتي قام أحمد عبد السلام فرج ، بتأسيس تنظيم بذات الإسم . وقد جري تسليح هذا التنظيم علي مستوي الجمهورية ، استغلالاً للحرية التي أطلقها السادات لهذه الجماعات . وقد جري تمويل عمليات التسليح من نتاج عمليات سرقة محلات الذهب المملوكة للأقباط . وقد كانت هناك فتاوي يطلق عليها فتاوي الإستحلال .
وفي سبتمبر 1981م تضخمت هذه الجماعات تضخماً سرطانياً . مما اضطر السادات إلي إصدار تعليماته لأجهزة الأمن بالتدخل للحد من غلواء هذه الجماعات في مسالكها ، وحجمها ، بالقبض علي أعضائها . وأثناء عملية القبض ، والمطاردة ، لعبت الصدفة المحضة وحدها ، دورها في تهيئة الفرصة لهذه الجماعة ، لإغتيال أنور السادات . ولا تعد افاعيل الصدف نجاحاً .
وقد كان حصاد قضية اغتيال السادات ، قضيتان : الأولي ـ قضية اغتيال السادات . الثانية ـ قضية الجهاد الكبري . وقد ظل الملف مفتوحاً لسنوات. وسيظل مفتوحاً . إذن فالقصة ليست قصة نظام ، وإنما قصة جماعات مريضة بالنهم للسلطة ، ويتخذون من الدين مطية لغرضهم . إذن لا معني للتعاطف معهم باسم الدين ، أوالدفاع عنهم ، أو اتخاذ موقف ضد المجتمع بسببهم . بل ويجب أن نكف عن إلقاء نتاج آثامهم وأوحالهم التي يخوضون فيها علي الأنظمة .