جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
حــســـــن زايـــــــد .. يكتب :
الإِخْـــوَان وَأَخْـطَــاء النَّاصِـرِيَّـــة
ما زالت العلاقة بين الإخوان والنظام الناصري ، تثير الجدل ، ويكتنفها من اللبس والغموض ما تعسر اكتشافه ، والعثورعلي مفاتيح مغاليقه . ولعل السبب في ذلك ، يرجع إلي عدم توفر دراسة علمية معتبرة ، يمكن الوقوف عليها ، والتسليم بنتائجها . وكل ما يتوفر هو مجرد مذكرات شخصية ، من كلا الجانبين ، علي ما يكتنفها من تحيز وهوي ، سواء مع أو ضد أي من الطرفين . وكذا كتابات صحفية أقرب إلي السرد السطحي للأحداث ، بمنأي عن الدراسات المعمقة ، التي تعتمد علي الرصد ، والتحليل ، والإستنباط ، واستخراج النتائج المعتبرة . ولا بأس بكل ذلك ، إذ أنه يمثل المادة الخام ، التي يعتمد عليها المؤرخون ، حين تأريخهم للأحداث ، وفقاً للأسس العلمية الدقيقة .
وكلامي هذا لا يعني وضع الجماعة والدولة علي خط واحد ، أو في وضع مقارنة بين طرفين متساويين . إذ لا محل لذلك عندي علي الإطلاق ، حيث أنني لا أفهم العلة وراء إنشاء جماعة دينية في مجتمع مسلم ، إلا علي سبيل العبث . فإنشاء جماعة اسلامية ـ أياً كان مسماها ـ في مجتمع مسلم ، لا تعني عندي سوي توظيف الدين لخدمة أغراض سياسية . فالباعث والمحرك سياسي ، ولكن بأردية الدين وسمته . وتكون النتيجة الحتمية تجهيل المجتمع وتكفيره .
وكلامنا تحت عنوان الإخوان وأخطاء الناصرية ، لا يعني رصد أخطاء النظام الناصري في حق الإخوان ، وإنما رصد لأخطاء وقعت ، في ظل المواجهة مع الإخوان ، فصبت في مصلحتهم ، وخصمت من رصيد النظام ، عن غير قصد منه . وقد ساهمت هذه الأخطاء في تضخيم الجماعة ، وتزايد أعداد المنتمين إليها ، وانتشار أعداد المتعاطفين معها ، والمساعدين لأعضاءها ، مادياً ومعنوياً ، سراً وعلانية ، سواء في الداخل أو في الخارج ، وتتبدي خطورة الإخوان في كونهم يمثلون تنظيماً ، وليس مجرد تجمع لأفراد . أما عن جرائمهم فمرصودة ، قبل الثورة ، وبعدها ، ولا محل لإنكارها أو التنصل منها ، أو تبريرها .
وقد كان أول صدام بين ناصر والإخوان ، بعد حادث المنشية سنة 1954م . والبعض ينكر هذه الواقعة ، ويعتبرها مجرد تمثيلية ؛ للخلاص من الإخوان . وهو قول مردود بأمرين ، الأول : أن ناصر كان بإمكانه حل الجماعة وتسريحها ، كما فعل مع بقية الأحزاب ، ولم يكن هناك ما يحول بينه وبين ذلك . ومن هنا يأتي التساؤل حول العلة وراء عدم اتخاذ هذا الإجراء ؟ . الثاني : قد سمعت أحد أعضاء الجماعة يعترف بالواقعة في إحدي محطات الإذاعة المصرية ، في بداية الألفية الثانية .
وقد أخذ البعض علي الإعتقالات بعد حادث المنشية ، أنها كانت بالألاف ، وأنهم قد تم التنكيل بهم . وجري حرمان الأسر من ذويهم ، وحرمانهم من مواردهم المالية ، وتشريدهم . وهي أقوال مردود عليها كذلك . فالأقوال بأنهم آلاف أمر يحتاج إلي مصادر محادية لتدقيق هذه الأرقام ، إذ أن الإخوان ـ وقد ثبت ذلك فيما بعد ـ يميلون ميلاً مفرطاً ، علي نحو مرضي ، إلي المبالغة والتضخيم ، ويمكن الرجوع في ذلك ، إلي عدد السجون ، وسعتها . ولو جري التغاضي عن هذه النقطة ، والتسليم بكونهم آلاف ، لكان هذا التصرف مبرراً ، لأن التعامل يتم مع تنظيم متماسك ، لديه قناعات واعتقادات راسخة ، لا يغيرها مجرد قصر السجن علي منفذي محاولة الإغتيال ، لأن التفاعل مع الحدث ، وردود الأفعال عليه ، ستكون من جانب التنظيم . وكذلك القول بأنهم قد جري التنكيل بهم ، ينفيه وجود مساجين آخرين ليسوا من الإخوان ، قد قصوا هذه القصص ، ومن هنا يصعب التسليم بأن التطرف والإرهاب ، كان ناتجاً عن حفلات التعذيب المدعاة .
أما عن قصة حرمان الأسر من ذويهم ، والحرمان من الموارد المالية ، والتشريد ، فهو كلام مرسل ، لا دليل عليه ، ولا سند له . فلم يثبت منعهم من الزيارات ، شأنهم في ذلك شأن باقي المساجين ، ولم يثبت مصارة أموال الإخوان ، أو طرد تلك الأسر من مساكنهم . هذا بخلاف الأموال التي كانت تتدفق علي الإخوان ، سواء من الخارج أو من الداخل ، من خلال نظام الإشتراكات المقرر في الجماعة . وقد كانت هذه الأموال إحدي مصادر رعاية أسر المسجونين من الإخوان ، وبالتالي يمكن القول بأنهم كانوا أوفر حظاً من غيرهم .
وهنا وقع النظام في خطأين : الأول ـ أنه لم ينتبه إلي خطورة تجمع الإخوان في جماعات داخل السجون ، وكان يتعين بعثرتهم داخل هذه السجون ،علي نحو لا يتيح لهم التجمع مرة أخري . وبدلاً من التعذيب ـ الذي يستجلب التعاطف إن صح ، ويبعث علي الحنق ، ويصنع خميرة روح الإنتقام ـ يجري الإحتضان والحنو في إطار الدولة ، بدلاً من الجماعة ، التي كانت تمثل في معتقدهم ، المعادل الموضوعي للوطن .
الخطأ الثاني : التوجه الإشتراكي المبكرـ الذي وصل إلي حد الإرتماء في الأحضان ـ للنظام . فأنت تواجه خصم يركب موجة الدين ، والدين هو الروح الغالبة علي المجتمع ، والمتحكمة فيه ، والمحركة له ، وأنت تركب موجة الإشتراكية ، التي تعني الشيوعية ، والتي تعني بدورها الكفر والإلحاد ، وكلاكما يعمل في مجتمع مسلم ، ويعمل عليه . فلو قيل بأن النظام يحارب الإسلام ، ومن أجل ذلك يحارب الإخوان ، ربح الإخوان ، وخسر النظام . ولو قيل بأن النظام يحارب الإخوان ، لأنه يحارب الإسلام ، لربح الإخوان ، وخسر النظام . ومن هنا نجح الإخوان في تحقيق وحدة اندماجية بينهم وبين الإسلام ، في مواجهة النظام .
فرغم أن ناصر اختار عضو الإخوان أحمد حسن الباقوري ضمن حكومته ، وأنه أنشأ إذاعة القرآن الكريم ، ونشط الكتاب والمفكرون ، في مجال تدشين الكتب ، التي تقارن بين الإشتراكية والإسلام ، والتقريب بينهما ، وإصدار قوانين تنظيم الأزهر ، إلا أن كل ذلك لم يشفع له عند قطاعات من الشعب المصري ، يمثل الدين لديه الإختيار الأول ، والأولوية المطلقة .
ومن هنا ظل التعاطف الأعمي مع الجماعة ، دون قدرة علي اكتشاف أنها تتخذ من الدين مطية ؛ للوصول لأغراض سياسية .