حــســـــن زايـــــــــد ... يكتب :
إفـشــــال الـــدولـــــة الـمــصــــريـــــة
عندما يُقال بأن هناك مساعي حثيثة ، بعضها علني ، ومعظمها سري ، لإفشال الدولة المصرية . وأن هناك من المصريين من يساهم علي نحو أو آخر ـ سواء كان يدري أو لا يدري ـ في هذه المساعي ، يتلقي بعضنا ذلك بفزع شديد ، والبعض الآخر باستهجان واستخفاف باديين ، وبعض ثالث باستنكار معلن ، والبعض الرابع بتنمر وترقب . الأمر الذي أفضي في محصلته النهائية إلي إيقاع متزايد عن الحد من الذي يمكن احتماله من البلبلة ، والإضطراب ، والشوشرة في صفوف الجماهير .
وقد اختلف الناس حول الغرض من إطلاق هذا القول في ذلك التوقيت ، رغم ما ينطوي عليه من مخاطر سيكولوجية ، وسيسيولوجية . وهل هو قول واقعي ؟ . أم مجرد إشاعة دعائية ، تستهدف تجميع المصريين حول محور ارتكاز واحد ، بدلاً من حالة التشرذم البادية علي السطح .
ولبيان حقيقة القول ، ومدي صدقيته ، ومطابقته للواقع المدرك ، الحي والمعاش والمباشر في آن معاً ، لابد من الوقوف علي مفهوم وتعريف الدولة الفاشلة .
ومفهوم الدولة الفاشلة هو تعبير عن صفة تلازم الدول التي تعجز عن القيام بوظائفها العامة . وقد تعددت التعريفات التي تناولت ـ اصطلاحاً ـ مفهوم الدولة الفاشلة . فقد عرفها البعض بأنها : " تلك الدول التي لا تستطيع أن تلعب دوراً ككيان مستقل " . وعرفها البعض الآخر بأنها : " تلك الدول التي لم تعد قادرة على القيام بوظائفها الأساسية " . وعرفها بعض ثالث بأنها : " تلك الدول التي تحكمها الميلشيات المسلحة " . وعرفها البعض الرابع بأنها : " تلك الدول التي تفقد السيطرة على وسائل العنف الخارج عن الإطار القانوني". وكلما ضعفت الدولة ، وتفككت ، وتحللت قدراتها ، وفكت صواميل الربط فيها ، وتفلتت أجزائها ، وتبعثرت مؤسساتها ، كلما أضحت أقرب إلى الفشل .
ولو اتخذنا مصر أنموذجاً لتطبيق التعريفات سالفة الذكر ، لوجدنا أن هناك من القوي الإقليمية والدولية من يسعي ـ بيديه وأسنانه ـ جاهداً إلي جعل مصر دولة تابعة ، وليست كياناً مستقلاً ، يلعب أدواراً مستقلة ، علي المستوي الإقليمي والدولي . دولة منزوعة الدسم ، منزوعة الريش . يجعلون الماء تحت أرنبة أنفها ، فلا تطفو فتتنفس وتنتعش وتعيش ، ولا تغرق فتموت . ومن هنا فإن أي محاولة مصرية للتملص من تلك القبضة تواجه بشراسة ، سواء من الغرب أو من الشرق . فالجميع في ذلك سواء .
وكذلك فإنهم يسعون إلي جعلها دولة غير قادرة علي القيام بوظائفها الأساسية . سواء من الناحية السياسية ، أو الإقتصادية أو الإجتماعية :
ـ فمن الناحية السياسية : هناك مساعي حثيثة للتشكيك في شرعية ومصداقية نظام الحكم ، وذلك عن طريق قصف العقول والتلاعب بها ، من خلال وسائل الإعلام المأجورة ، وشبكات التواصل الإجتماعي ، والكتائب الإلكترونية ـ محلية ، وإقليمية ، ودولية ـ التي تعبث بالعقول والأفئدة صباح مساء ، بقصد تشويه النظام ، والنيل من سمعته ، والتشكيك في قدراته ، بما يفضي في النهاية إلي حالة من عدم الإستقرار السياسي .
ـ ومن الناحية الإقتصادية : سعت الجهات والدول ذاتها إلي العمل علي إحداث تدهور في الوضع الإقتصادي ، وفي حوادث معروفة تم تدبيرها بليل ، ومن بينها التلاعب في أسعار الدولار ، وضرب السياحة سواء عن طريق حادث قتل المواطن الإيطالي بطريقة مريبة ، وضرب الطائرة الروسية وما تبعها من مقاطعات . هذا بخلاف الحصار الإقتصادي غير المعلن علي مصر بدواعي تكررت في دول أخري ، ولم تتخذ ضدها نفس الإجراءات التي اتخذت ضد مصر . والأعمال الإرهابية متعددة الأغراض .
ومن الناحية الإجتماعية : اللعب علي التناقضات الإجتماعية ، الموجودة في أي مجتمع ، والنفخ فيها علي نحو غير مسبوق ، بحيث تتضخم هذه التناقضات تضخماً سرطانياً ، يولد الحقد والحسد ، والكراهية والبغضاء ، وعدم الثقة ، حتي تشتد حدة التوترات ، وتنفجر في وجه الجميع ، كالعلاقة بين المسلمين والمسيحيين ، والعلاقة بين الأغنياء والفقراء ، والعلاقات الأسرية ، والعلاقات داخل الأسرة الواحدة .
أماعن تطبيق التعريفين الثالث والرابع علي مصر فقد سعت القوي والدول المتربصة إلي تنصيب الميلشيات المسلحة مقاليد الحكم فيها ، سعياً لنشر العنف خارج إطار القانون .
ومن خلال تطبيق التعريفات علي النموذج المصري ، تبين بالفعل أن هناك مساعي لإفشال الدولة المصرية . وعليه فإن التحذير الصادر عن القيادة السياسية ، يتسم بالصدقية ، وينبني علي أسس واقعية ، واستقراء دقيق لهذا الواقع . ولا يبقي سوي السؤال عن الحكمة من وراء إطلاق هذه الصرخة ؟ .
بالقطع ليس من بين أهدافها التمحور حول القيادة السياسية ، لأن ذلك لا يشغل هذه القيادة ، ولا يتخذ أولوية أولي في خياراتها ، ورهاناتها علي المستقبل . لأنه إذا ما اتخذ الأولوية القصوي في خياراتها ، لكان أمامها من الوسائل والطرق والأدوات ما هو أيسر وأقرب لإحداث حالة التمحور تلك . والمشاهد منها أنها تسبح ضد التيار ، وعكس هذا الإتجاه ، فيما تتخذه من إجراءات إقتصادية صادمة لشرائح عديدة في المجتمع .
إلا أنه يمكن القول بأريحية أن الحكمة وراء إطلاق هذه الصرخة ، هي إحداث حالة من الإفاقة والوعي ، واليقظة التامة في إدراك خطورة المرحلة ، وضرورة التكاتف المجتمعي ، وتمحور المجتمع حول أهدافه الكبري في التنمية ، والخروج من المآزق التي تعترض طريقه . فهل أدرك الناس ، أن مصرـ وليس السيسي ـ تتعرض لمحاولات مستميتة ، لإفشالهم ، وإفشالها ، بما يخدم مصالح إقليمية ودولية ؟ .