نسمات مديحة حسن

شعر / خواطر / قصة قصيرة / وطنيات

authentication required

حــســــن زايـــــــد .. يـكـتــب :
ســيـكـولـــوجــيــة الإرهـــــابـــي
من الأسئلة المحيرة ، التي تندفع نحو أدمغتنا ، لحظة وقوع عملية إرهابية ، سؤال عما يحدث في التركيبة النفسية الإعتيادية للإرهابي ، لحظة إقدامه ، علي وضع حد لحياته ، وحياة الأخرين . ما هو ذلك الأمر الإستثنائي ، الذي جري تخليقه علي نحو أو آخر ، ليقع في دائرة اتصال الإنسان بذاته ، ليقطعها ، ويذهب بها في مسار آخر، مختلف عن المسار الطبيعي ، الذي يقوم علي فكرة استمرار الحياة ؟ . ما هي الحالة الوجدانية التي تلم به لحظتئذ ؟ . ربما يؤدي التعرف عليها إلي وصل ما انقطع ، من دائرة الإتصال بين المرء وذاته ، بحيث يعود الإنسان إلي مساره الطبيعي .
ونبدأ بتعريف العملية الإرهابية ـ دون الدخول في التفاصيل النظرية ـ بأنها عملية إختار أحد طرفيها ، أن ينهي حياته الخاصة ، لإنهاء حياة الأغيار . ومحتوي هذه العملية ينتج عنه ثلاث خطوط رئيسية تساهم في حياكتها ، وهي مكونات العملية ذاتها في ذات الوقت : وهي الجريمة ، والإنتحار ، والمجتمع كمحفز ، وضحية .
وفي محاولة لفهم هذه المكونات لابد من الوقوف علي تعريفاتها :
المجرم ـ هو في هذه الجريمة طفل كبير ، يسعي إلي تطبيق مفهومه ، ورغباته ، ونواياه ، علي نحو سهل ومختصر. والجريمة في بدايتها ليست شريرة ، وإنما مدفوعة برغبة طفولية في اختصار الوقت والجهد . والطفل بطبيعته إنسان ذاتي مشبع بذاتيته . أنوي لا يتفهم ولا يستوعب أي وجهة نظر أخري مختلفة عما يجول بخاطره . وعليه يكون المجرم شخصاً بالغاً في السن ، ولكنه يحيا لتنفيذ رغبات الطفل بداخله .
وهنا يثور التساؤل : من المجرم ؟ . إن أسوأ أنواع الجرائم لا يرتكبها الأغبياء والحمقي ، وإنما يرتكبها الأذكياء المتحضرون ، فالجريمة الأسوأ يلزمها قرار ، والقرار تلزمه مبررات ودوافع كافية . إذن فالذي يقتل هنا هو الأكثر معرفة ، لا الأكثر وعياً . وهنا يأتي دور الآليات الدفاعية النفسية .
والآليات الدفاعية النفسية هي عبارة عن حيل نفسية لا شعورية ، تمثل ردة الفعل التي تمنع ظهور العقد النفسية المكبوتة وهي أنواع : التسامي ، والتعويض ، والتقمص ، والإحتواء ، والإسقاط ، والنكوص ، والإزاحة ، والتفكيك ، والتخيل ، والتبرير ، والإبدال ، والتكوين العكسي .
هذه التقنية النفسية الدفاعية هي التي يلتجيء إليها المجرم ، وتمكنه من تنفيذ جريمته . حيث تمكنه من محو جزء من واقعه ، وإدراكه ، وغلق دائرة تفكيره ، حال ارتكابه الجريمة ، فتنتفي إنسانية الإنسان الذي أمامه ، وتنعدم تماماً ، قبل قتله . لحظتئذ تكون الجريمة الحقيقية هي في عملية تحويل الإنسان الوديع إلي وحش لا يبالي . هذه التقنية الدفاعية المستخدمة هي التي تتيح استباحة دماء الأغيار . فعندما يفقد المجرم احساسه بالواقع ، فإنه يفقد أية كوابح تمنعه من اقتراف الفعل المدمر .
والجماعات الإرهابية تقوم بالتلاعب بمنظومة القيم الكامنة داخل الفرد ، وتحويلها من قيم مطلقة مُقَيِّدة ، إلي قيم نسبية مطاطة ، تختلف باختلاف الزمان والمكان والجماعة التي ينتمي إليها الفرد ، فالحياة ـ كهبة من الله لخلقه جميعاً ـ قيمة مطلقة ، تكون هبة من الله لجماعته فقط دون غيرها ـ قيمة نسبية ـ ومن حقها سلب هذه الهبة عمن سواها.
وتنفيذ العملية الإرهابية ، لا يتم من خلال غرفة التحكم العقلية ، التي يتعامل بها الإنسان مع العالم الخارجي ، من خلال المعطيات ، والمعلومات المخزنة لديه ، وإنما يتم خارج هذه الغرفة ، باعتباره فعلاً تجري ممارسته ، للمرة الأولي ، والأخيرة بطبيعة الحال ، دون أي معطيات عملية ، أو معلومات مخزنة عنه ، داخل غرفة التحكم . ولذا فإن العملية الإرهابية تقتضي أقصي درجات اليقظة والوعي ، ولا يَسْمح العقل لمجموعة الحواس ، بالتشويش والتشتت ، علي ما انعقدت عليه إرادة الإرهابي ، من اقتراف الفعل الإجرامي . إذن الأخلاق والقيم المطلقة ، التي يشكلها المجتمع للفرد بداخله ، هي الرادع الرئيس له ؛ كي لا ينجرف بأنويته الذاتية ، لارتكاب فعل مدمر للمجتمع أو لبعض عناصره .
والإنتحار قد يكون سببه ، انعزال المنتحرعن أسرته ، ووحدته الأساسية ، مما يسهل عليه قبول فكرة الإنتحار . وقد يكون سببه ، تعلقه الشديد بمجتمعه ، إلي حد الذوبان فيه ، وتقديم روحه فداءًا له . وبإسقاط ذلك علي المنتمين لخلية دينية ، سنجد أن تلك الخلية ربما توفر له الدعم الديني والمادي ، إلا أنها تعجز عن تقديم الدعم المجتمعي الأسري المستمد من الصفات البشرية الموروثة . ربما تخلق مجتمعاً متكاملاً من المؤمنين ، إلا أنه مجتمعاً مصطنعاً ، يبقي انعزالياً عن البيئة الأصلية ، الأمر الذي يسهل عليه فقدان حياته ، لأنه يفتقر إلي المساندة المجتمعية الطبيعية التي تدعم إنسانيته . ويفتقر إلي الدعم والإعتراف من الغير .
وهذه المجتمعات المصطنعة موصومة بالتضامن الآلي ، الذي قد يدفع الفرد للإنتحار . وهذا يعني أن الشخص المنتحر في هذه المجتمعات ، هو شخص يريد الحياة ، إلا أنه يرفض واقعها غير المكتمل ، فيسعي إلي تدميره ، وتدمير جسده ، الذي هو جزء من ذلك الواقع ، لينتقل بذلك إلي حياة أخري، أكثر رحابة ، تتحقق له فيها رغباته وملذاته .
ولا ينفي ذلك وجود المجتمعات السوية ، التي يصعب عزلها عن الدين أو عزل الدين عنها ، وتضع الشهادة في إطارها الصحيح . ولا تنحرف بأفكارها وقيمها الدينية عن الطريق السوي .
أما المجتمعات / أوالجماعات التي تقوم علي أساس ديني أيديولوجي منحرف ، يري أعضاها في أنفسهم أنهم عصاة ، وأن الطريق الأمثل للإنعتاق النفسي من الذنوب والأوزار ، هو الفناء في سبيل الدين ، فيسعون إلي تغيير العالم المحيط بهم ، من خلال الخروج من أجسادهم الفانية ، وتدمير ذلك العالم ، والتطلع إلي آفاق أرحب ، تبعا للأيديولوجية الفاعلة فيهم .
إن هذا الموضوع في حاجة إلي مجهودات معمقة من أهل الإختصاص ، حتي يتسني سبر أغواره علي نحو دقيق ، بمنهج علمي مدقق ، وأدوات بحثية متعارف عليها ، لعلنا نصل إلي نقطة الإصلاح .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 27 مشاهدة
نشرت فى 27 يوليو 2017 بواسطة nsmat

مديحة حسن كاتب وشاعر

nsmat
شعر / خواطر / وطنيات / قصة قصيرة / اخري »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

190,647