جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
حـســـن زايـــــــد .. يكتب :
قـطـر ورقـعــة الـشـــطرنج
يتبدي للمتابعين تساؤل مشروع حول المدي الذي وصلت إليه اللعبة ؟. وهل وصلت إلي المربع الأخير ، الذي يؤمر فيه الملك بـ : " كش ملك " . وهل تم محاصرة الملك علي نحو يصل به إلي الموت الحتمي ، الذي معه تنتهي اللعبة ، وتلملم القطع ، وتطوي رقعة اللعب ؟ .
مصر ـ الدولة الكبيرة ـ قامت بحركة مباغتة ـ سواء متفق عليها ، وتم التباحث بشأنها ، أو لم يتم ، يستوي الأمر ـ انكشفت علي أثرها الستارة السميكة ، التي كانت تغطي الملعب ، فانكشف الملعب ، وانكشف اللاعبون ، وانكشفت أدوات اللعب ، ومصادر التمويل ، ومواقع التدريب ، وأماكن العلاج ، والإستعواض . وذلك في مؤتمر القمة الأمريكي الإسلامي في الرياض .
فإذا بالجميع يجد نفسه تحت ضوءالشمس الساطعة ، متعرياً من كل السرابيل الساترة لكل الأعمال القذرة ، في قضية الإرهاب ، وأن اللعب أضحي علي المكشوف . وأصبح ما كان يدور همساً ، خلف الكواليس ، وداخل الغرف المغلقة ، وتمتليء به أروقتها ـ علي نحو ضبابي شائه ـ مواقع التواصل الإجتماعي ، وتنقله عنها وسائل الإعلام المقروءة والمرئية ، الموالية والمعادية ، أضحي علنياً .
ولا ريب أنه في ظل هذه الأجواء الضبابية ، غير اليقينية ، كان لابد من توثيق المواقف ، بالصوت والصورة والمستند . وقد جري تسليم ملفات كاملة ، وتبادل معلومات بين أجهزة دول ، حتي تكتمل الصورة ، وتتحدد ملامح ، وتظهر تفاصيل . وقد أصبحت الإشاعة معلومة ، والمحتمل أكيداً ، والمشكوك فيه يقينًأ ، والملفات المنقوصة كاملة .
وهكذا تبين حكام قطر ـ علي ضوء ذلك ـ أن دورهم قد تعري لا محالة ، وما كان يدور حوله همساً ، أصبح معلناً ، وموثقاً . وارتأوا ـ شأن كل فاجر ـ أن لا محالة عن المواجهة السافرة . وأن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم ، مع أن هذا ليس صحيحاً علي إطلاقه ، إلا في مجال لعبة كرة القدم .
ولكن غلبت عليهم شقوتهم ، وأطغتهم أموالهم ، وأغرتهم تحالفاتهم ، فقد شاركوا ابتداءًا في المؤامرة ، علي أبناء جلدتهم ، ثم ارتضوا لعب دور وزير خزانة الإرهاب ـ بتعبير وزير الدفاع الأمريكي ـ بطول المنطقة وعرضها ، وتقاطعاتها ، ونقاط تماسها . وذلك للعب دور لا يتناسب مع حجمها ووزنها .
وعلي إثر قيام بعض الدول العربية بطرد السفراء القطريين لديهم ، كرد فعل علي دور قطر ، وموقفها من الإرهاب ، وإمهال قطر فترة من الوقت ، للإلتزام بالمطالب الثلاثة عشر التي وضعتها هذه الدول . وبدلاً من الإنصياع للمطالب العربية ، نزعاً لفتيل الأزمة ، استدعت قوات غير عربية ـ تركية إيرانية ـ لدولها مواقف وأطماع في المنطقة العربية ، بزعم دفاعها عن الكيان القطري ، في مواجهة المخاطر العربية . وذلك رغم وجود اكبر قاعدة أمريكية في العالم لديها .
وهكذا تشكلت أدوار جديدة إقليمية ودولية لقطع الشطرنج علي رقعة اللعب . فقد انضمت بعض الدول إلي جانب موقف الدول العربية ، وانضمت دول أخري إلي جانب الموقف القطري .
وطبيعي أن نقول بأن الدول التي تقف إلي جانب قطر ، بعد ثبوت تورط قطر بالأدلة والبراهين والوقائع الحية في قضايا الإرهاب التي تسفع المنطقة ، إنما تتخذ هذا الموقف رضوخاً لضغوط المصالح الإقتصادية ، أو طمعاً في مكاسب سياسية واقتصادية معاً ، أو تحقيقاً لأهداف تآمرية ، خادمة لمخطط الفوضي الخلاقة ، ومشروع الشرق الأوسط الجديد .
ولا ريب أن من يخلق الإرهاب ، ويدعمه بكافة وسائل الدعم ، خدمة لمخططات من خارج المنطقة ، يقصد عامداً ـ مع سبق الإصرار ـ الإضرار بالمنطقة ، وإيذاء شعوبها ، واختراق أمنها ، وتكسير مؤسسات دولها ، وتفتيت ، وتقسيم ، وتقزيم هذه الدول ، لمصلحة دول أو قوي ، إقليمية أو دولية أخري .
وقد كانت قطر قبل تعريتها ، وكشف سوءتها تلعب أدواراً مزدوجة . فهي ضد اسرائيل في العلن ، ومعها وتعمل لحسابها سراً . ومع الفلسطينين في العلن ، وضدهم سراً . وفي التحالف ضد الحوثيين في اليمن علناً ، ودعمهم سراً ، وفي مجلس التعاون الخليجي علناً ، وتعمل ضد أهدافه مع إيران سراً . وهي ضد الإرهاب علناً ، وتمثل وزارة الخزانة له سراً . وما كان علي مستوي الدول ، كان علي مستوي الجماعات .
وقد صعدت قطر إلي أعلي الشجرة ، في ردها علي المطالب العربية ، سواء من تلقاء نفسها أو بإيعاز من دول أخري ، لها مصالح في تفجير المنطقة . ولم يبق لها سوي النزول بمعاونة أحد .
وقد تدخل الأمير الكويتي للوساطة بين الدول العربية وقطر . إلا أن قطر لا زالت تلعب علي وتر المراوغة الدبلوماسية ، والتسويف ، كسباً للوقت ، ودفعاً للكرة إلي الأمام ، لعل ذلك يؤدي إلي تبريد المواقف المشتعلة ، أو كسب الرأي العام ، وباعتبار أن ما يحدث لها لا علاقة له بالإرهاب ، وإنما المسألة برمتها تركن إلي جانب إنساني ، بقصد خنق تلك الإمارة الصغيرة ، الفاعلة في هذا المحيط العربي الهادر .
ويجري التسويق دولياً لهذه الفكرة ، استناداً إلي ما حدث للكيان الصهيوني ، فتأخذ قضيته ذات الزخم الذي صنعته الدعاية الصهيونية ، علي مدار أكثر من نصف قرن ، دون حاجة إلي قاعدة بيانات جديدة ، ينطلق منها العقل الغربي المتصهين في تأييده ودعمه للكيان الصهيوني .
وهكذا تستمر قطر في اللعب بمواقفها ، ظناً منها أن رقعة الشطرنج ، لا يزال فيها متسعاً ، لمزيد من اللعب ، مع أن الرقعة قد ضاقت عليها ، وأضحت منزوية في ركن ضيق من المحيط العربي ، ولم يبق أمام الملك ـ الأمير ـ سوي أن يكش أو يموت .