نسمات مديحة حسن

شعر / خواطر / قصة قصيرة / وطنيات

حــســــن زايـــــــــد .. يكتب :
الـقـرارات الإقـتـصـاديـة الـصـادمـة
فـي مـصـر
هناك بدهيات لا محل فيها لإعادة النظر ، أو إعادة المناقشة ، أو إعادة العرض . فالبديهة هي أمر جري التسليم بصحته ، ويقاس عليه ، دون إعمال فكر . فلو جئنا للقرارات الإقتصادية الأخيرة ، التي اتخذتها مصر ، في إطار منظومة الإصلاح الإقتصادي ، وتساءلنا : هل قرار ترشيد الدعم علي المحروقات يعد من القرارات المؤلمة ؟ . ستكون الإجابة بالضرورة : نعم . فإن لم تكن مؤلمة للجميع ، فهي علي الأقل مؤلمة للغالبية العظمي من الشعب المصري ، وداخل هذه الغالبية هي أشد إيلاماً للغالبية منها ، ومميتة لبعضها . ولا ريب أن هذه القرارت قد سقطت بالبعض من مستوي الطبقة المتوسطة إلي مستوي الطبقة الفقيرة ، ومن مستوي الطبقة الفقيرة إلي مستوي الطبقة المعدمة . وكل ذلك طبيعي في ظل الأجواء الإقتصادية الخانقة التي تمر بها مصر . حتي أولئك الذين يترحمون خطأً علي أيام مبارك ، لا يدركون أن مصر في عهده كانت علي شفا الإفلاس ، وأن الناس كانوا يأكلون ويشربون من لحم الحي ، وإلا فليخبرونا أين ذهبت حصيلة بيع شركات القطاع العام ؟ . وأين ذهبت مليارات التأمينات الإجتماعية ؟ . ثم جاءت أحداث ينايرـ بكل تداعياتها الإقتصادية ، من تخريب ، وإضرابات ، وتوقف المصانع عن العمل ـ لا لتلقي بظلالها فحسب ، وإنما لتجهز علي البقية الباقية من قوام النشاط الإقتصادي . ويستمر هذا الوضع أربع سنوات كاملة . ثم جاءت ثورة يونيه وهي تحمل فيروس الإرهاب ، الذي أعلن الحرب علي مصر ، فأصابها في مقتل عدم الإستقرار ، الذي أفضي بدوره ، إلي تراجع الإستثمارات ـ داخلياً وخارجياً ـ باعتبار أن رأس المال جباناً ، لا يعمل غير في بيئة آمنة مستقرة . كما تم ضرب السياحة بضرب الطائرة الروسية ، وقتل الدارس الإيطالي روجيني ، والدعاية ضد مصر في الخارج ، بخلاف الإنفاق علي الشرطة والجيش ـ بحسب احتياجاتهما ـ لمواجهة الإرهاب . بخلاف الحصار غير المعلن ، من معظم دول العالم علي مصر ، تآمراً أو انسياقاً وراء متآمرين ، تحت زعم أن ما وقع بها يمثل انقلاباً عسكرياً ، والإطاحة برئيس منتخب . كل ذلك كان يمثل ضغطاً هائلاً علي عصب الدولة المصرية وعظامها ، ولا ريب أن المواطن الفقير والمعدم قد تأثروا بذلك أيما تأثير . وكان علي نظام يونية لملمة بقايا الدولة ، وحطامها ، حتي يتسني له إقامة قواعدها ، وأعمدتها . وهنا يبرز السؤال : هل كان من الممكن استمرار الحالة الإقتصادية التي آلت من نظام مبارك ؟ . بالقطع لا ، لأن الدولة كانت علي شفا الإفلاس . ومع أحداث يناير وما تبعها أزداد الوضع سوءًا وتدهوراً . السؤال الثاني : هل كان الإصلاح الإقصادي ضرورياً ؟ . بالقطع نعم ، لأن الدولة ـ وفي القلب منها الإقتصاد ـ كانت مهلهلة . السؤال الثالث : هل كان ترشيد الدعم علي المحروقات إجراءًا ضرورياً في ظل مشروع الإصلاح الإقتصادي ؟ . البعض قال أنه لم يكن ضرورياً ، والبعض الآخر ذهب إلي أنه كان ضرورياً . من قال بأنه لم يكن ضرورياً ، لوجود البديل من وجهة نظره ، يتمثل في محاربة الفساد ، والإصلاح الإداري ، والإصلاح التشريعي ، والتطبيق العادل لأحكام القانون ، وقواعد العدالة ، واعتبر أن هذا البديل يحقق الوفورات النقدية التي تسد العجز في الموازنة . وهذا البديل وإن كان له وجاهته ، إلا أن هذه الوجاهة تقتصر علي الجانب النظري وحسب . أما من الناحية التطبيقية ، فقد ثبت فشله ، مع المصريين . ومن قالوا بأن قرار ترشيد الدعم كان ضرورياً ، انقسموا إلي فريقين : الفريق الأول ـ قال بأنه كان من الممكن إرجاء تطبيق الترشيد خلال الفترة الحالية ، والتدرج في تطبيقه ، حتي لا يؤثر ذلك علي المواطن المصري . وقد أشار هذا الفريق إلي أن العجلة تمت تحت ضغط صندوق النقد . والفريق الثاتي ـ ذهب إلي القول أن إرجاء التطبيق يزيد التكلفة ، ويوسع من هوة العجز في الموازنة العامة ، وبالتالي له كلفته ، التي ستزيد من الأعباء علي عاتق المستهلك . وأما التدرج في التطبيق فهو موجود بالفعل . فقد جري رفع جزء من الدعم في نوفمبر 2016م ، وذلك هو الجزء الثاني ، وقد بدأ مع بداية السنة المالية الجديدة . أما القول بأن ذلك قد جاء بضغط من الصندوق ، فلا غضاضة في ذلك ، سواء كان صحيحاً أو غير صحيح ، طالما أن الإجراء موجود ، ومقرر سلفاً . ومن هنا كان لابد من التدخل الجراحي ، وإن كان بعضهم قد ذهب إلي القول ، بأن ذلك التدخل كان يقتضي بنجاً ، يحمي الفقراء والمعدمين من عضة الألم . وهنا نقول بأن ذلك قد تم بالفعل من خلال قرارات مسبقة بزيادة المعاشات ، وقرار علاوة غلاء المعيشة ، وغيرها من القرارات ، التي تخفف ولو جزئياً ، من الآثار الجانبية للتدخل الجراحي ، وهي غير كافية . ولا يبقي إلا أن نقول بأن قرار ترشيد دعم الطاقة تمهيداً لإلغائه كان قراراً حتمياً وضرورياً ، وأن له آثار جانبية بارتفاع أسعار كل شيء ، وهذا صحيح ، إلا أن الإرتفاع ليس بكل هذا القدر المخيف الذي ارتفعت به تلك الأسعار . لا يخفي طبعاً من يشغب علي هذه القرارات ، سواء من الإخوان ، أو حركة كفاية ، أو الأشخاص الذين يشغبون علي ثورة يونية . وأشد أنواع الشغب وطأة ذلك الذي يصدر عن خبراء ، تشم في تحليلاتهم الإقتصادية روائح السياسة ، والتطلع للكراسي ، ولو جاءت الجنة عن طريق هذه الحكومة لكانت ناراً ، يحذر الناس من الإقتراب منها ، ويحلل ذلك ، وينظر له . وعلي طريقهم بعض الصحفيين ممن تصوروا خطأ أنهم خبراء في الإقتصاد ، ويجلسون يحللون وينظرون ، ويستعرضون عضلاتهم الإقتصادية غير الموجودة أصلاً . وقد نسي هؤلاء أن الإقتصاد علم من العلوم الصعبة ، وكي تتكلم فيه لابد وأن تكون مدركاً لمصطلحاته ، المتداولة ، إلا أنها في معظمها غير مفهومة أو معروفة . وهو ليس فيه مطلقات ، ولا أحكام قاطعة ، وآلياته تعمل في الأسواق ، وليس شرطاً أن تؤتي أكلها آلياً ، ولذا كانت هناك دائماً تلك العبارة الإحترازية التي تعلمناها علي أيدي أساتذة هذا العلم ، وهي : " مع فرض ثبات العوامل الأخري " . وليس معني ذلك أننا ننكر الآثار الجانبية المميتة لهذه القرارات . وعلي الحكومة أن تتخذ كل التدابير الممكنة ، لتخفيف وقع الآثار المدمرة لهذه القرارات .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 34 مشاهدة
نشرت فى 6 يوليو 2017 بواسطة nsmat

مديحة حسن كاتب وشاعر

nsmat
شعر / خواطر / وطنيات / قصة قصيرة / اخري »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

191,824