جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
حـســـن زايــــــد .. يكتب :
صــراع الــبراطـيـــش
البراطيش أو البرطوشات جمع برطوشة ، والبرطوشة هي الحذاء ، أو النعل البال . والصراع بين البراطيش هو الصراع بين الأدمغة التي تمثل الأحذية أو النعال البالية في تفكيرها ، وفي مداركها ووجداناتها ، وفي مشاعرها واحساسها . أدمغة لا يصلح أصحابها سوي للركوب في سبيل تيسير الحياة علي الغير . أولئك الصنف من البشر الذي يبيع آخرته بدنيا غيره ، ولا يصح أن يكون إلا حماراً يحمل أسفاراً ، أو كلباً إن تحمل عليه يلهث ، وإن تتركه يلهث . وأصحاب العقول البراطيشية ، لم يدركوا أنهم صنيعة أجهزة مخابراتية ، لدول استعمارية ـ استخرابية ـ غربت شمس وجودها العسكري الخشن في المنطقة ، وأرادت بديلاً استخرابياً ناعماً ، يقوم بذات الدور الخشن . ولكن كيف يتأتي ذلك في ظل وجود الدين الإسلامي ، فاعلاً في النفوس ، وفي الشوارع ، وإن تراخي وجوده علي مستوي السياسة والحكم ؟ . إذن لابد من خلق النزعة العنصرية ، الإستعلائية ، المتطرفة ، فكراً ، وتربية ، وسلوكاً ، داخل فئة معينة من المسلمين ، يتم اختيارهم وتنشئتهم علي أعينهم . هذه الفئة تمثل مخلب القط للإستعمار الجديد . وعملت هذه المجموعات ، مشمرين عن ساعد الجد والهمة ، علي هدم ومحاربة الإسلام السائد بين الناس ، وهدم رموزه وتشويهها ، بهدف تقدم الصفوف ، واعتلاء المنابر ، وتولي القيادة الفكرية ـ علي انحرافها وعنصريتها ـ للأمة ، تمهيداً لتولي قيادتها السياسية ، والإقتصادية . ولقد لعبت الإستخبارات الأجنبية دوراً خبيثاً ، حين فتحت أبواب بلادها لهذه المجموعات ، وتوفير الغطاء السياسي والأيديولوجي والمالي لوجودها ، وصناعة حضانات لها ، حتي فرخ الشجر ، ونبتت أفراخه ، وتجذرت . هذا بخلاف ما نشطت بشأنه الممالك حيالهم عندما هاجمتهم الثورات العربية / أو الإنقلابات العسكرية ، كما يحلو للبعض أن يطلق عليها . وكان علي رأس هذه الممالك المملكة السعودية ، التي تصورت أن في احتضانهم ، نوعاً من النكاية في الأنظمة الثورية ، ودرءاً لمخاطرها عليها . فلما مات عبد الناصر ، فتح السادات لهم باباً للخروج من خلف البوابة السوداء ، ودعا من هو خارج مصر منهم للعودة إليها . وفي أفغانستان جري بناء معامل الإرهاب ، وتسمية الخروج للقتال خارج الحدود جهاداً ، وتشكل تنظيم القاعدة ، ومن القاعدة تولد الدواعش ، واستخدمت الدواعش أحط أنواع البطش البشري / البشري . وتعدي نشاط الدواعش ساحة الوغي العربية / العربية ، عندما تعددت جنسيات المنتمين إليهم من ناحية ، وزاد سقف الإستغلال السياسي لهم من ناحية أخري . وهنا فقد البعد الديني معناه ومغزاه ، ولم يعد هو المحرك لحروبهم المفتوحة شرقاً وغرباً . أو علي الأقل لم يعد المحرك الوحيد ، وإنما تزاحمه وتنازعه محركات أخري . وأصبحت بذلك هذه الفئات مطية لمن ركب . وتوجهوا بسهام الإستهداف إلي بلدان أوربية ، بدأت تغسل يديها من دماء ضحاياهم ، ظاهرياً علي الأقل ، حفاظاً علي الظاهر الأخلاقي أمام شعوبهم . فنشطت الذئاب المنفردة ، وقامت بعمليات اغتيال غير تقليدية في عدة عواصم أوربية ، كردة فعل علي مواقفها حيالها ، من بينها عمليات دهس للمارة . وقد كانت العمليات ، في كل مرة ، يقوم بها ذئب منفرد ، أو خلية صغيرة ، ينتمي إلي العالم الإسلامي ، هجرة أو توطناً . سواء أسفرت عن ذلك ، نتائج التحقيقات ، أو أعلن تنظيم داعش مسئوليته المباشرة عن الحادث . وها هي الحية الرقطاء ، التي وجدت ملاذاً آمناً ، في الأحضان الأوربية ، قد بدأت تتحرك ، وتلدغ ، في الحضن الذي نامت في ثناياه ، ودفئه ، وأمنه زمنا طويلاً . وقد جاء ذلك في توقيت حرج أوربياً ، وهو وقت صعود اليمين المتطرف ، الذي يتبني وجهات فكرية عنصرية حادة ، أسفرت عن خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي . وقد كانت آخر الحوادث الإرهابية التي طالت بلداً أوربياً ، هو حادث دهس ، قام به متطرف إرهابي ، ينتمي إلي تنظيم داعش . وقد كان من المستحيل واقعياً ، استمرار الوضع علي هذه الوتيرة ، التي أصبحت نمطية ، ولا تفضي في النهاية إلي شيء ، داخل دائرة الموت ، والإرهاب ، الجهنمية التي لا تقف عند حد ، ولا يلوح في الأفق المنظور نهاية لها . وإزاء عجز أجهزة الدولة الغربية ، عن وضع حد ، لهذه المشاهد العبثية العدمية ، فوجئنا بحادث دهس في لندن . ولكن الحادث هذه المرة في الإتجاه المعاكس لدوران عجلة الإرهاب ، حيث قام أحد الأشخاص بقيادة شاحنة ، ودهس مجموعة من المسلمين الخارجين من أحد المساجد . وإذا بنا بذلك ندخل دائرة الإرهاب ، والإرهاب المضاد ، دون أن ندري ما ستحمله الأيام القادمة من نتائج ، لصراع هذه البراطيش .