جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
حــســــن زايـــــــد .. يكتب :
آفة آفات أن ترتدي الخصومة الشخصية رداء الدين ، فينبري الشخص مدافعاً عن نفسه ، وهو يتوهم أنه يذود عن حياض الدين . والفتنة الكبري التي حدثت في تاريخ الإسلام ، وتخلف عنها تصدعات في الصف الإسلامي ، كانت نتاجاً طبيعيا لإسقاط الخلافات السياسية علي القضايا الدينية ، أو إلباس السياسة لباس الدين ، ونقل الإختلاف السياسي بين مسلمين ، إلي خلاف ديني بينهما . وفي زماننا وجدنا في ذلك العجب ، إذ وجدنا من يتخذ من آيات الله سبحانه وتعالي ، والأحاديث النبوية الشريفة ، ووقائع السيرة النبوية ، مطية لخدمة أغراضه الآنية ، وهواه القائم في نفسه . ومن بين هؤلاء ، وعلي رأسهم ، ويعد في هذا المضمار إمامهم ، مفتي الدم / يوسف القرضاوي ، كما أطلق عليه المصريون ، باعتباره صاحب فتاوي قتل الضباط والجنود ، من جيش وشرطة الشعب المصري . وهو قد أقدم علي إقتراف هذه الفتاوي ، حين أقدم ، وهو ليس متجرداً لله ورسوله وإسلامه ، وإنما خادماً مطيعاً لأهداف جماعته ، جماعة الإخوان ، التي انتمي إليها في وقت مبكر من حياته ، وقبض عليه بعد حادث المنشية سنة 1954 م ، ثم أفرج عنه ، ثم قبض عليه ، ثم أفرج عنه بعد عدة أشهر ، ثم غادر مصر إلي قطر سنة 1961م . وقد أسر كل ذلك في نفسه ، وتولاه بالرعاية والعناية ، حتي ترعرع حقداً وغلاً ، وأضحي محركه ، فيما بعد ، في كل ما يصدر عنه ، ضد مصر وأهلها . ولم ينس إخوانيته رغم حصوله علي الجنسية القطرية ، فقد وصف مشروع حسن البنا بأنه : " المشروع السني الذي يحتاج إلي تفعيل " . والإخوان من وجهة نظره : " أفضل مجموعات الشعب المصري بسلوكهم وأخلاقياتهم وفكرهم وأكثرهم استقامة ونقاء " . وقد لعب ذات الدور التآمري، الذي لعبته قطر ، فيما أطلق عليه الربيع العربي ، من خلال ما يعرف بأكاديمية التغيير . وكان لا يكف عن الدعوة للثورة سواء عبر خطب الجمعة ، أو أحاديثه في قناة الجزيرة . وبعد وصول الإخوان إلي سدة الحكم ، صارت الثورة المصرية عظيمة . ثم جاءت ثورة الشعب في 30 يونيه لتطيح بحكم الإخوان ، فتبخرت عظمة الثورات ، وتلاشت معانيها لديه ، فقد أطاحت بكل أحلامه ، سواء في تولي منصب المرشد العام للجماعة ، أو توليه مشيخة الأزهر ، أو حتي تولية من يواليه . ويبدو أن هذه الثورة قد أطاحت بما تبقي من صوابه ، حيث شن حرباً شعواء علي كل من قام بالثورة ضد الإخوان ، واعتبر من خرج علي حكم مرسي من الخوارج ، وأوجب قتال كل من تجرأ علي إزالة حكم الإخوان ، وجعل التظاهر ضد الجيش فرض عين علي مسلم ومسلمة من أهل مصر ، وحرض اعتصامي رابعة والنهضة علي الثبات والإٍستمرار حتي إعادة مرسي والإخوان . وفور فض الإعتصامين طالب المجتمع الدولي بالتدخل ، لإعادة مرسي ، ومحاكمة وزير الدفاع ، وقادة الجيش ، والشرطة ، أمام المحاكم الدولية . وظل القرضاوي وتلامذته ، في غيهم سادرون ، بشأن التحريض وإصدار الفتاوي ، التي كنت تجد صداها حوادث قتل وتدمير تقع علي الأرض ، وفي وقوعها ، تحصد أرواح بريئة ، لا ناقة لهم فيها ولا جمل . وليت ما كان يصدره فتاوي دينية ، وإنما فتاوي سياسية تلبس لباس الدين أو بمعني أدق يلبس مواقفه السياسية لباس الدين . وهو التلبيس الذي يوقع في الروع أن هذا الكلام من الدين . وفي الأحداث الأخيرة بين قطر ودول الخليج ومصر ، فوجئنا بالقرضاوي يسطر مقالاً ، معنوناً بـ : " اليقين بالله إذا انقطعت الأسباب " ، قام بنشره في الموقع الرسمي للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، ذلك الكيان المشبوه الذي وقفت قطر وراء تأسيسه ، وبالتبعية جري نشره في موقع حزب الحرية والعدالة المنحل . وقد أورد في هذا المقال واقعتين ، الواقعة الأولي هي واقعة الهجرة النبوية ، وقد أردفها بغزوة بدر، والواقعة الثانية هي واقعة غزوة الأحزاب . وقد قصد من الواقعة الأولي توصيل رسالة للإخوان ، مفادها أنهم في ظل الأوضاع الراهنة ، أقرب ما يكونوا بموقف الرسول والمهاجرين ، حين فروا من أذي الكفار . والقياس هنا قياس فاسد ، لأنه يقيس الإخوان الإرهابيين ، الذين يفجرون أنفسهم ، ويفخخون السيارات ، ويستخدموا البنادق الآلية والرشاشات ، لمجرد خلاف سياسي ، بالمسلمين الأوائل في مرحلة الإستضعاف ، التي تعرضوا فيها للإضطهاد لأسباب دينية ، وهم لم يكونوا سوي أصحاب دعوة ، لا يملكون إلا الكلمة . وفي ذات الوقت يقيس مسلمي اليوم بالكفار في الجاهلية ، وهو بذلك يخرج مسلمي اليوم من الملة لمجرد اختلافهم السياسي مع إخوانه . ثم لا ينسي في معرض ذلك أن يحرضهم علي القتال ، إذ أن موقفهم كموقف أهل بدر سواء بسواء . أما الوقعة الثانية فقد قصد من ذكرها في مقاله ، وقوف قطر وتركيا في مواجهة التحالف العربي والدولي ، الذي يقف في مواجهة الإرهاب وداعميه ومموليه . فوقوف قطر وتركيا هذا الموقف أشبه بوقوف المسلمين الأوائل في مواجهة الكفار . فقد كان المسلمون قلة في غزوتي بدر والأحزاب ، وعلي قلتهم وضعفهم ، انتصروا في المواجهتين بالمعجزات الإلهية . وهذا نوع من التضليل والتدليس في الواقع ، فقطر وتركيا ـ حكومة وشعباً وجيشاً ـ ليسوا المسلمين الأوائل ، ولا دول التحالف العربي كفار قريش والأحزاب . ولا المواجهة الآنية هي مواجهة بين إيمان وكفر . المواجهة هنا مواجهة سياسية بين دول تسعي للحفاظ علي كياناتها متماسكة ، ودول أخري تمتطي الدين لتوظيفه في هدم هذه الكيانات ، بأفعال وأقوال إرهابية لا تمت للدين بصلة . وحين يتم تصوير الأمر باعتباره صراع وجود بين الإيمان والكفر ، سيسهل أن تجد شباباً يقوم بتفجير نفسه ، باعتبار أن هذا جهاداً ، وأن القتل والتدمير والهدم هو جهاد في سبيل الله . ومن هنا أطلق المصريون علي القرضاوي مفتي الدم .