انتهينا في المقال السابق ، إلي القول ، بأن شكري مصطفي قد خرج من السجن ، قوياً ، ناقماً . وقلنا أنه من الغريب والمثير للدهشة ، تزايد أعداد أعضاء الجماعة . وهنا يتبادر إلي الأذهان تساؤل مشروع حول الإتهام بالتطرف المنسوب لأفكار هذه الجماعة . أين هو التطرف ؟ . وما أوجه المخالفة للدين الصحيح ؟ . إذ ربما يدخل في روع البعض ، وخاصة الشباب ، أن مسألة التطرف والغلو ، مسألة نسبية . وأن تطرف جماعة التكفير والهجرة ، كحنفية سيدنا ابراهيم عليه السلام . فقد كان حنيفاً ـ أي منحرفاً ـ في قومه . فالمنحرف عن الإنحراف مستقيم ، والمتطرف عن التطرف وسطي . ومن هنا ينطلق في إتهام المجتمع بالإنحراف دون وعي أو إدراك لحقيقة إنحراف الجماعة . فلقد هدمت هذه الجماعة الكثير من الثوابت والأصول في الدين الإسلامي ، وهذا ليس من عندياتي ، ولا من عنديات من تكلم في هذا الأمر ، بل هناك من كشف أسرار هذه الدعوة وعقيدتها ، وهو واحد من أعضائها ، إنه عبدالرحمن أبو الخير ، صاحب كتاب : ذكريات مع جماعة المسلمين ـ وهو هنا يقصد التكفير والهجرة بحسب التسمية الإعلامية ـ وهو عضو في الجماعة الجماعة ، حيث أورد في كتابه كل ما ذهبت إليه الجماعة في عقيدتها وفكرها . فقد ذهبت الجماعة إلي تكفير مرتكب الكبيرة ، وأصر عليها ، ولم يتب عنها . كما كفرت الحكام ، الذين لا يحكمون بما أنزل الله ـ نظرية الحاكمية التي أطلقها سيد قطب ـ بإطلاق دون تفصيل . وكفرت المحكومين الذين رضوا بالحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ، وتابعوهم علي ذلك ، بإطلاق ، ودون تفصيل . وكفرت العلماء الذين لم يكفروا الحكام والمحكومين . وكفرت كل من عرضت عليه فكرها ، ولم يقبله ، أو قبله ولم ينضم إليها ، أو يبايع إمامها . واتهمت الجماعة كل من أخذ بأقوال الأئمة الأربعة ، أو بالإجماع ، حتي ولو كان إجماع الصحابة ، أو بالقياس ، أو بالمصالح المرسلة ، أو بالإٍستحسان ، ونحوها بالشرك . والعصور الإسلامية بعد القرن الرابع الهجري ، عصور كفر وجاهلية لتقديسها صنم التقليد ، المعبود من دون الله . فعلي المسلم أن يعرف الأحكام بأدلتها ، ولا يجوز له التقليد في أي أمر من أمور الدين بحال . وقول الصحابي وفعله ليس بحجة ، ولو كان من الخلفاء الراشدين . وقالت بحجية الكتاب والسنة فقط دون غيرهما ، فإذا اعتقدت رأياً ، حملت ألفاظ عليه ، فما وافق أقوالها قبلته ، وما خالفها تحايلت في رده ، أو رد دلالته . ولا قيمة عندها لأقوال العلماء والمحققين والمفسرين ، لأن كبار العلماء عندها في القديم والحديث مرتدون . ولا قيمة عندها للتاريخ الإسلامي ؛ لأن التاريخ عندها هو ما أورده القرآن الكريم ، الذي أورد أحسن القصص . وترك أعضاء الجماعة صلاة الجمعة ، وصلاة الجماعة ، بالمساجد ، لأنها مساجد ضرار ، وأئمتها أئمة كفر ، وذلك إلا أربعة مساجد فقط هي : المسجد الحرام ، والمسجد النبوي ، ومسجد قباء ، والمسجد الأقصي ، وهي أيضاً لا تجوز الصلاة فيها ، إلا إذا كان الإمام منهم . وزعمت الجماعة أن الدعوة لمحو الأمية دعوة يهودية ، تستهدف شغل الناس بعلوم كفرية ، عن تعلم الإسلام . ودعت الجماعة إلي الأمية ، باعتبار أن الأمة المحمدية أمة أمية . ودعت إلي ترك المدارس والجامعات ، وعدم الإنتساب إليها ، سواء كانت اسلامية أو غير إسلامية ، لأنها في الأصل مؤسسات طاغوتية ، تدخل ضمن مساجد الضرار . ومن انضم إلي جماعة المسلمين ـ التكفير والهجرة ـ ثم تركها ، فهو مرتد حلال الدم . والجماعات الإسلامية الأخري التي بلغتها دعوة جماعة المسلمين ، ولم تبايع إمامها ، فهي جماعات كافرة ، مارقة عن الدين . تلك هي رؤوس أقلام الأفكار الرئيسة التي تمثل منهج الجماعة وفكرها ، وفقهها الحركي ، كما وردت في كتاب : " ذكرياتي مع جماعة المسلمين ، آنف الذكر ، بالإضافة إلي كتاب : جماعة المسلمين ، لـ : محمد سرور زين العابدين . وهذه الأفكار ليست بمستحدثة علي يد الجماعة ، وإنما لها أصول في التاريخ الإسلامي ، حيث ظهرت علي يد الخوارج ، من بداية الخلاف بين علي ومعاوية ، رضي الله عنهما . وقد سميت الجماعة إعلامياً بجماعة التكفير والهجرة ، لأنها ذهبت إلي القول : بوجوب عيش المسلمين ، في مرحلة الإستضعاف الحالية ، علي أساس عنصرين : الأول ـ أن المجتمع الحالي هو مجتمع جاهلي ، وهي ذات الفكرة التي نظر لها سيد قطب ، وعمقها شقيقه محمد قطب ، وهناك أكثر من كتاب إخواني ، تناول هذه الفكرة ، بالتنظير والتعميق . الثاني ـ وهو العنصر المترتب علي العنصر الأول ، ويقع منه موقع النتيجة من السبب ، والمعلول من العلة ، وهو عنصر الهجرة . والهجرة هنا ـ في مفهوم الجماعة ـ يقصد بها العزلة عن المجتمع الجاهلي . والعزلة وفقاً لتوجهات الجماعة الحركية ، عزلة مكانية ، وعزلة شعورية . العزلة المكانية : ويقصد بها العزلة التي تحقق لها بيئة مماثلة ، للبيئة التي عاش فيها الرسول المصطفي وصحابته ، في الفترة المكية . أما العزلة الشعورية : فيقصد بها ممارسة العزلة الشعورية ، بينها وبين المجتمعات الجاهلية ، حتي يتسني لأعضائها تقوية ولائهم للإسلام ، من خلال انتمائهم لجماعة المسلمين ـ التكفير والهجرة ـ وألا ينخرطوا في الجهاد ، حتي تكتسب الجماعة القوة الكافية . ويخطيء من يظن أن هذه الأفكار قد اندثرت ، بإعدام شكري مصطفي ، أو سجن أتباعه .
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية
نشرت فى 20 إبريل 2017
بواسطة nsmat