نسمات مديحة حسن

شعر / خواطر / قصة قصيرة / وطنيات

البداية كانت من شاب صغير ، نحيل الجسم ، حاد العينين ، لم يتجاوز بعد العتبات الأولي من العقد الثالث من العمر " مواليد أبو خرس ، مركز أبو تيج، أسيوط، مصر 1 يونيو 1942 - أعدم 1978). كان يعيش في أسيوط ، في ظروف معيشية شديدة القسوة ، شأنه في ذلك شأن أبناء الصعيد جميعاً ، حيث الوادي الضيق، وانعدام مشروعات التنمية ، وانعدام العدالة بينهم ، وبين أبناء الدلتا والوجه البحري ، كانعدام العدالة بين أبناء القاهرة ، و أبناء بقية محافظات مصر . ولا أسوق بذلك مبررات إجتماعية أو إقتصادية لما وصل إليه ، فليس ذلك مبرراً ، وإن كان أحد العوامل الضاغطة ، التي قد تدفع إلي الضيق والتبرم ، والسخط وعدم الرضا . ولا ألوم بذات القدر علي الدولة في هذا المنحي ، فقد كانت مصر في ذلك الظرف التاريخي ، دولة ناشئة ، لم تكد تتخلص من آثار الإحتلال بعد ، وآثارالليبرالية الفاسدة التي كانت قائمة قبل الثورة ، والنظام الإقطاعي الذي كان طافحاً ، ولم تكد بعد تبدأ في ترتيب مخططات ، وأولويات التنمية الشاملة ، إلا وناوشتها الدول الإستعمارية القديمة ، والعدو الصهيوني الملاصق لحدودها ، وكذا ناوشتها قوي الرجعية " الفلول " ، وجماعة الإخوان من الداخل ، فضلاً عن الجماعات الشيوعية العاملة تحت الأرض . في ظل هذه الظروف ، كان شكري مصطفي ينتقل من أسيوط إلي القاهرة ، ليحضر دروس سيد قطب ، وينهل منه العلم . وقد كان سيد قطب قبل إنخراطه في جماعة الإخوان ، ناقداً أدبياً مفوهاً ، متذوقاً للشعر والقصة والرواية ، وله قصة منشورة ، فضلاً عن كونه صحفياً كتب المقال . فكان من الطبيعي أن يكون ، حلو اللسان ، عذب البيان ، إذا تحدث يُسمع له ، دون أن يُمل . خاصة إذا كان المتلقي عنه ، من الشباب المتعطش للمعرفة ، الساعي لها بكليته ، راغباً فيها ، وفي الظفر بأطرافها . ولم يقابل شكري مصطفي سيد قطب سوي بضع مرات ، إلا أنه وقع حبه في قلبه ، متجاوزاً مرحلة مجرد الإعجاب . ولذلك تأثر به تأثراً كبيراً ، واعتبره أستاذه ومعلمه . في هذه الأثناء انضم شكري مصطفي لجماعة الإخوان ، وانخرط في أنشطتها ، التي كانت سرية في تلك الفترة بالضرورة ، نتيجة مطاردات أجهزة الأمن . وكان من بين هذه الأنشطة ، وأكثرها شيوعاً ، توزيع المنشورات المناهضة للنظام . وفي صيف عام 1963م ، تم اعتقاله ، هو ومجموعة من شباب الإخوان ، بتهمة توزيع منشورات لجماعة الإخوان المسلمين ، وكان في ذلك الوقت لا يزال طالباً في كلية الزراعة ، جامعة أسيوط ، وكان عمره وقتئذٍ واحداً وعشرين عاماً . وفي هذه الفترة وقعت بين يديه كتب سيد قطب ، بعد أن أصبح هو منظر الجماعة بامتياز ، والتي كانت قد انتشرت سريعاً بعد إعدام سيد قطب . وكذا بدأ في قراءة كتب المفكر الباكستاني / أبو الأعلي المودودي ، التي تعد النسخة الأصلية ، من أفكار سيد قطب ، ومؤسس الجماعة الإسلامية في باكستان ، وصاحب مجلة ترجمان القرآن . وقد واكب ظهوره ، انفصال باكستان عن الهند ، علي يد مؤسسها محمد علي جناح ، بعد استقلال الهند ، ورحيل الإحتلال الإنجليزي عنها . وترجمت كتبه عن اللغة الأوردية إلي اللغة العربية ، وأُعيد طباعتها وتداولها في مصر . وقد كان شكري مصطفي ـ كما قلت ـ لا يزال شاباً صغيراً ، في مقتبل حياته ، جاء من خلفية إجتماعية بسيطة ، تعاطف مع جماعة الإخوان ، وقد سمع ـ كما نسمع جميعاً ـ عن حالة القهر والتسلط والظلم والمطاردة ، التي تعرضت لها الجماعة ، علي أيدي النظام الناصري ، بالإضافة إلي الإعدامات التي طالت بعض قياداتها ، بعد حادث المنشية ، الذي رُوِّج في حينه علي نطاق واسع ، بأنه كان ملفقاً من ألفه إلي ياءه ، بقصد التخلص من الجماعة ، والإنفراد بحكم مصر من دون الناس . وقد كان هذا المناخ مدعاة للتعاطف ، خاصة لو جرت عملية الإسقاط النفسي بين الظلمين ، فالجماعة مظلومة ، وهي محترفة في إدارة دفة هذه النظرية لصالحها ، وهو مظلوم أيضاً بحكم النشأة والخلفية . وانتهت حالة التعاطف هذه إلي الإنضمام إلي الجماعة . وأفضي الإنضمام إلي الجماعة إلي غياهب السجن . ثم شهد بنفسه ، وذاق بمسام جلده ، ونخاع عظمه ، ما كان يسمع عنه ، من جلسات التعذيب ، أتت علي ما تبقي في نفسه ، من بقايا إنسانية معذبة ، وكرامة ونخوة مبعثرة . إنه تعذيب وحشي مروع ، تجرعه قطرة قطرة ، علي مدار سنوات . ولا أقول ذلك من باب استجلاب نوعاً من التعاطف معه ،وإن كان جديراً بذلك بصفته إنساناً ، وإنما أسرده حتي يتبين لنا ، ما تتركه هذه الأفعال ، في النفس من ندوب ، واضطراب ، وخلل نفسي ، يدفع بالضرورة في اتجاه الإنحراف النفسي ، والفكري ، والسلوكي . وإن كان الغاية المثلي من السجون هي التأديب ، والتهذيب ، والإصلاح ، فإنها مع هذه الأساليب ، والأدوات ، تنحرف عن غايتها ، وتفضي إلي نتائج كارثية علي المجتمع . ورغم الإنحراف الفكري الذي طال فكر الإخوان منذ نشأته ، علي يد مؤسس الجماعة ، وتعميق هذا الإنحراف ، والتنظير له ، والإضافة عليه . وبذر بذور الفكر التكفيري ، والتجهيلي ، والإرهابي ، من عنديات سيد قطب ، أو استجلبها من أفكار أبي الأعلي المودودي ، رغم كل ذلك ، وبالرغم من أن شكري مصطفي لم يكن قد تشرب بعد بالفكر الإخواني ، إلا أنه ، ونتيجة ما تعرض له هو وغيره من التعذيب الوحشي ، اندفع للتفكير بشكل نقدي حاد ، في الفكر الإخواني ، وموقفهم الفقهي ، من السلطة والمجتمع . وقد ساعده في هذا التوجه ، أحد زملائه من المعتقلين الأكبر سناً ، والأقدم في مجال الدعوة الإسلامية ، في تصورهم . فمن يكون هذا الرجل ، الذي أمسك ـ قابضاً ـ علي دفة هذه العقول الشابة ، ووجهها الوجهة التي آلت إليها ، وبذر بذور ذلك الفكر الشيطاني في أرض مصر ؟ ! .
للحديث بقية ، إن كان في العمر بقية ،،،

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 24 مشاهدة
نشرت فى 13 إبريل 2017 بواسطة nsmat

مديحة حسن كاتب وشاعر

nsmat
شعر / خواطر / وطنيات / قصة قصيرة / اخري »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

191,782