جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
لا شك أن أي محلل سياسي محايد ، لا تحكمه أي توجهات مسبقة ، سواء مع او ضد ، الضربة الأمريكية لقاعدة الشعيرات السورية ، سيكون له موقف مختلف ، عن تلك المواقف ، التي ظهرت علي الساحة الدولية . خاصة وأن معظم المواقف ، قد جري تصديرها للرأي العام العالمي ، باعتبارها تأسياً لأصحابها ؛ لمصاب أطفال خان شيخون ، الذين قضوا نحبهم ، بفعل غاز السارين السام ، كما اشيع ، وهي في الحقيقة بنيت علي أساس مصلحي بحت ، لا يمت للأطفال بصلة . وقد انقسمت المواقف ـ في الموقف من الهجوم ـ إلي أربعة مواقف : الموقف الأول ـ وقد ذهب إلي التأييد المطلق لما قام به رامبو أمريكا الجديد ترامب ، وداخل هذا القسم هناك من تشاور معه ترامب ، وهناك من أبلغه ، وهناك من جامل الموقف الأمريكي ؛ لمجرد الدوران في الفلك ، أو رغبة في خطب الود ، أو رهبة مما قد يلحق بالرافضين ، أو لأن هذا الموقف يحقق مصلحة مباشرة أو غير مباشرة . الموقف الثاني : وقد ذهب إلي الرفض المطلق لما قام به ترامب ، وذلك لما ينطوي عليه هذا الفعل ، من اختراق للقانون الدولي ، وانتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة ، وتجاهل مزري لمجلس الأمن الدولي . وفي المجمل هو تصرف لا يفتقر فقط للشرعية الدولية ، وإنما متجاوزاً لها ، ضارباً بها عرض الحائط . الموقف الثالث : وهو موقف الصامت المؤيد المبارك . الموقف الرابع : وهو موقف الصامت الغاضب الرافض . فلو استبعدنا الموقفين الأخيرين باعتبارهما سلبيان ، لا يقدمان ولا يؤخران . ويبقي لدينا الموقفين الأخرين ، اللذين يشكلان طرفي نقيض . وقد قفز الموقفان فوق الحدث العلة ، متجاوزين له ، إلي نتائجه ، دون مناقشته ، والوقوف علي ما يجب حياله ، مسلمين بذلك لما توصل إليه الجانب الأمريكي ، باعتباره مسلمات بديهية ، ترقي فوق مستوي المناقشة . وقد انبطح أحدهما أمام هذا الطرح الأمريكي انبطاحاً . أما الآخر فقد ناقش الموقف الأمريكي ، باعتباره نتيجة منطقية ، وقد جادل فيه علي استحياء . ولو انطلقنا مع المحلل السياسي المحايد ، فلابد أن تكون نقطة الإنطلاق ، هي فرضية ـ ويجب أن تبقي فرضية ـ أن النظام السوري هو من ارتكب مذبحة الأطفال في خان شيخون . فهل يمكن التوصل إلي هذه النتيجة استنتاجاً أو استنباطاً أو استقراءًا ؟ . ورغم أن المقدمات والنتائج ، والعلة والمعلول ، والإستنباط ، والإستقراء ، والمنطق يفضي إلي نتيجة ، استحالة إقدام النظام ، علي اقتراف هذه الجريمة ، في هذا التوقيت ، لأن كل الظروف ، والملابسات ، والأوضاع ، والتوجهات ، كانت تصب في مصلحة النظام ، وليس من العقل الإطاحة بكل ذلك ، في سبيل تأليب الكون كله عليه ، ولذا ـ فإننا سنستبعد هذه الوسائل والأدوات كأدوات نفي . ولكن في نفس الوقت يتعين استبعاد ذات الوسائل والأدوات كأدوات إثبات . ولا يبقي سنداً للتصرف الأمريكي سوي صور الأقمار الإصطناعية ، والمعلومات الإستخباراتية الأمريكية ، والمعلومات المستقاة من قوات المعارضة . والواقع أن المصادر الثلاثة ، ليست محل ثقة علي الإطلاق ، لأنها تخدم الأهداف الأمريكية فقط دون غيرها ، من ناحية ، ولأن تجربتنا مع هذه المصادر في عالمنا العربي ، تجربة مريرة ، وما حدث بالعراق وأفغانستان ليس ببعيد ، من ناحية أخري . ومعلومات المصادر الثلاثة ، تلزم أمريكا دون غيرها من الدول ، ولا تعد دليلاً ، ولا قرينة ، علي وقوع الجريمة ، علي النحو الذي أعلن أنها وقعت عليه . وما تمثيلية كولن باول ، أمام مجلس الأمن ، أثناء محاولة استصدار قرار بضرب العراق ، عن الأذهان ببعيد . ومن ثم فإن ما جري تقديمه للرأي العام العالمي باعتباره أدلة ، أو أشباه أدلة ، أو حتي شبهات لا ترقي لمستوي القرائن ، لا يعد مسوغاً معقولاً أو مقبولاً ؛ للإقدام الأمريكي ،علي ما أقدمت عليه ، حتي داخل إطار الشرعية الدولية . فعلي ما جري بناء الموقف الأمريكي ، وموقف المؤيدين له ؟ . وفي ظل ذات الفرضية ـ التي تقول بأن النظام السوري هو من اقترف الجريمة ـ كان لابد من اتباع ذات الإجراءات المقررة مع الجرائم من هذا النوع ، وهناك سوابق دولية في هذا الشأن . وأولي هذه الإجراءات هي تشكيل لجنة دولية محايدة ، بموجب قرار أممي ، تتولي القيام بمهمة البحث ، وراء من إقترف الجريمة . حيث تنتقل اللجنة إلي مسرح الحدث ، مستعينة بالخبراء المتخصصين كل في مجاله ، ومعاينة موقع الحادث ، ومكان القصف ، ومراجعة البيانات والمعلومات المتوفرة ، وسؤال الشهود ، واستجواب المشتبه فيهم ، ومراجعة صور الأقمار الإصطناعية العاملة في المنطقة ، وأماكن الرصد والمراقبة ، والعاملين عليها ، وفحص الطائرات المنفذة للقصف ، واستجواب طياريها . ثم تقديم تقرير لمجلس الأمن مشفوعاً بتوصياتها ، علي ضوء أحكام القانون الدولي ، وميثاق الأمم المتحدة . ولمجلس الأمن بعد ذلك ، أن يقرر ما يشاء ، بعد أن يستقر في ضميره ووجدانه ، علي من ثبتت الجريمة في حقه . حتي لا يؤخذ أحداً بجريمة آخر ، حتي ولو كان ظالماً ، أو مقترفاً لجريمة مماثلة . أما خلاف ذلك ، فهو يمثل بلطجة دولية . فإن كان الأسد ـ في ظل فرضية إقترافه للجريمه ـ يكون قد انتهك القانون الدولي والإنساني ، أي أنه تصرف خارج إطار الشرعية الدولية ، ووفقاً لهذا الإعتبار تجري معاقبته ، فإن رامبو أمريكا ترامب قد اقترف نفس الجريمة ، وهي التصرف خارج إطار الشرعية الدولية . وأن هذه التصرفات هي بلطجة ، إذا عرفنا البلطجي بأنه من اعتدي علي الآخرين ، قهراً ، وبدون وجه حق ، مرتكباً أعمالاً ، منافية للقانون ، والعرف . والفارق الوحيد بينهما أن أحدهما نال تصفيقاً وإعجاباً وإطراءًا دون الآخر . وقد نسي المجتمع الدولي ، أنه يضرب مؤسساته ، بمنح البلطجة صبغة شرعية ، لمجرد أن أحد الأعضاء الدائمين ـ الإتحاد الروسي ـ قد استخدم حق الفيتو المقرر للدول الخمس دائمة العضوية ، وهوما يتيح التصرف خارج أطر الشرعية الدولية ، بما يترتب عليه فوضي كونية آتية لا محالة . ولا سبيل إلي الخلاص إلا بالعودة للشرعية الدولية ، وإعادة طرح صيغ جديدة ، لآليات تصويت جديدة داخل مجلس الأمن . ويبقي تساؤل : لماذا لم تشكل اللجنة الدولية حتي الآن ؟ . أم أن هناك مخاوف ـ تدعو إلي الريبة ـ من كشف من اقترف الجريمة ؟! . ولو جري فبركة لجنة تحقيق انتهت إلي إدانة الأسد ، فهل سيتم عقابه مرتين ، ومن ثم يمضي مخطط التقسيم لسوريا في طريقه ، وتتنازع أطراف المعارضة الكعكة السورية إلي ما شاء الله ؟ . ولو انتهت اللجنة إلي تبرئته ، فما هو موقف المجتمع الدولي من التصرف الأمريكي ؟ .