جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
من اللافت للنظر ، والمسترعي للإنتباه ، حالة الهياج الشديد ، التي أصابت القردة العارية ، اللاتي يلعبن في الحديقة الخلفية للقصر. المتتبع للمشهد سيتفاجأ بصعود اللاعبين الرئيسيين علي خشبة المسرح ، جنباً إلي جنب ، مع عرائس الماريونيت . والقردة العارية ، بعد فترة كمون لبعض عناصرها ـ وقد انكشفت سوئتها ـ تتقافز علي خشبة المسرح ، مستهدفة رجل القصر ، الذي ـ لا قدر الله ـ لو سقط لانهار المشهد برمته، باعتباره رمزاً للقصر . . فما الذي جري حتي يقع كل هذا الهياج ، والفزع ؟ . حين تسمع الغربان وهي تعزف بنعيقها سيمفونية واحدة ، وإن تعددت الآلات ، وتنوعت النغمات ، فلابد أن تقطع أن الفرقة واحدة ، وإنها تصدرعن إشارة يد قائد واحد . ونعيق الغربان نذير شؤم عند البعض ممن يتشائمون من أصواتها ، حتي ولو تجاوب مع نغماتها من تجاوب . ومنذ فترة تعالي النعيق ، وارتفع ضجيجه وصخبه ، حول مخطط رجل القصر للتنازل عن جزء من الحديقة الأمامية له ، حلاً لأزمة استيلاء أولاد العم ، علي بيت الأخ ، فيحل هو مشكلة الأخ ، حتي يستريح ابن العم . مع أن رجل القصر يحشد حرسه بقضه وقضيضه ، علي أطراف أسواره ، مدافعاً عن حياض قصره ، حتي ولو تجندل في سبيل ذلك صناديد الرجال . ويضع مصالح القصر فوق كل مصلحة . في أزمان غابرة صنعوا في حديقة القصر الأمامية ، مغارات وكهوف وأنفاق ، يتسلل إليها الأعداء ، في جنح الظلام ، صنعوا بداخلها حياة ، وأحاطوا أنفسهم بصنوف الأسلحة ، والذخائر ، ووسائل النقل والإتصال ، والخرائط . لا يكاد القصر يستقر حاله ، حتي يرسلوا إليه من ينفذ إلي داخله ، يمارس التخريب والهدم والقتل والذبح والحرق ، ثم يتبخر ، ويصبح سراباً ، وأثراً بعد عين . إلا أن القردة العارية تقيس الرجال بمقاييسها هي ، بعيداً عن المقاييس العامة ، المتعارف والمتفق عليها ، بين الأسوياء من البشر . وهي وفقاً لذلك ، تذهب إلي القول بأن رجل القصر، يسعي إلي التنازل عن الشريط الداخلي ، الموازي للأسوار . هم يعتقدون فيه ذلك ، ويتصورون وقوعه ، بسيناريوهات متوهمة ، لأنهم باعوا أوطانهم من قبل ، بدراهم ـ أودولارات معدودة . فلما لا يكون الجميع بائع ، لو واتتهم الفرصة كما واتتهم ، ويتوهمون أن الجميع خونة ، لم تأتهم الفرصة بعد ، وقد ركب التوهم أدمغتهم ؛ لأنهم باعوا أنفسهم ، وشرفهم ، وكرامتهم في أسواق النخاسة ، ويتسولون بكرامة الوطن وشرفه دراهم ـ أو دلارات ـ مغموسة في حمض الخيانة اللاذع . وكلما حمل رجل القصر علي ساكني الكهوف والمغارات ، برفقة الأفاعي والخفافيش ، وطيور الظلام ، حملة ، أصيبت القردة بالحمي ، وأخذت في التقافز والصراخ ، وإحداث الجلبة والضجيج . تارة عن تسلط واستبداد وديكتاتورية رجل القصر ، وأخري عن الضوائق الإقتصادية والإجتماعية الخانقة ، والمفضية إلي الجوع والتعري ، وثالثة عن فشل السياسات والتوجهات والخطط ، ورابعة عن العشوائية والفشل في إدارة دفة البلاد ، وخامسة عن تسول الغذاء والكساء ، وسادسة بالطعن علي الهدف والغاية والمآل من تسليح حراس القصر ، وسابعة بإعداد التقارير، عن انتهاكات حقوق الإنسان ، وإمداد جهات خارجية مشبوهة بها . إن القردة العارية لا تدرك أن سوءتها مكشوفة ، وتستعصي علي الستر ، والتسربل بدعاوي حرية التعبير ، وإبداء الرأي ، لن تستر السوءة المتبدية للعيان . أما رجل القصر وسكانه وحراسه ، فإنهم يهفون إلي الخلاص ، والتقدم ، والرقي ، وليخسأ المرجفون .