جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
طلب مني أحد الأصدقاء الكتابة في موضوع الجزيرتين ، بعيد صدور حكم الإدارية العليا ، بشأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة السعودية . والواقع أنني آثرت التزام الصمت . لماذا آثرت الصمت ؟ . لأسباب عديدة من بينها : أنني تذكرت فترة عزيزة علي القلوب ، وهي فترة حلم الوحدة العربية ، الذي كان يراود هذا الجيل ، وكم من كتب وأبحاث ورسائل علمية ومذكرات شخصية سطرت في هذا الحلم ، وحلقت به إلي آفاق بعيدة . وكان من ضمن الأحلام ، ذوبان الحدود بين البلاد العربية . تلك الحدود التي صنعها صنعاً الإستعمار " الإستخراب " العالمي ، حتي لا تكتمل خطوط الحلم الأولية ، ووضع عند كل حد من الحدود لغم من الألغام قابل للإنفجار ذاتياً ، بمجرد الحديث حوله عن بُعد . وتذكرت الإقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة ، إنه الجمهورية السورية ، وكانت مقراً للجيش الأول ، وبقية الجيوش كانت في الإقليم الجنوبي " مصر " . ثم عشنا لزمن الكابوس العربي ، التي تتنازع فيه الدول العربية ، مع بعضها البعض ، علي فسافيس ونتف المناطق الحدودية ، التي من المفترض أننا نحلم بإزالتها . وقضية تيران وصنافير ، فيها الكثير والكثير من المعلومات ، التي أثيرت ونوقشت ، خلف المكاتب في الغرف المغلقة . ليس ذلك لأننا دول دكتاتورية أو مستبدة ، أو نحجب المعلومات عن شعوبنا ، ولكن لأن مثل هذه الأمور تمس الأمن القومي ، ولا يتعين أن تكون متداولة جماهيرياً ، علي مواقع التواصل ، أوعلي الأرصفة ، أو أحاديث الدردشة أو التندر علي المقاهي . وهناك دول ديمقراطية متقدمة ، نتخذها نموذجاً يحتذي ، تحجب مثل هذه المعلومات ـ دون إفراج عنها ـ فترة زمنية قد تصل إلي نصف قرن من الزمان . فلا أحد يدري ماهي الأسباب والدوافع ، وربما الضغوط ، التي دفعت بالسعودية إلي طلب استرداد الجزيرتين ، بفرض سعوديتهما ؟ ! . ولا أحد يدري ما الذي دفع القيادة المصرية ، إلي سلوك هذا المسلك ، الذي أفضي إلي المشهد ، المتشابك والمرتبك في آن معاً ، بفرض مصرية الجزيرتين ؟ . وهل هناك أمور خارجية كانت تضغط علي الكرة العربية لتفجيرها وتفتيتها من الداخل باستخدام هذا الموضوع ؟ . لا أحد يدري . وليس مطلوباً الآن أن تفتح ملفات لو فتحت لأدت إلي نفس النتيجة التي يصبو إليها المتربصون . والدفع بقضية الجزيرتين إلي ساحات القضاء ، كان هوالطريق المخالف للإجراءات المنصوص عليها دستورياً . وأظن أنه لم يكن ينطوي علي وطنية أشد ، بقدر انطوائه علي تسجيل موقف سياسي عن طريق القضاء . موقف سياسي ينفي وطنية الآخر . هذا الآخر هو مؤسسات الدولة كلها بما في ذلك السلطة التشريعية في كفة ، ومجموعة الأفراد أصحاب الدعوي في الكفة الأخري . وهذا ليس منطقاً مقبولاً ؛ لأننا جميعا نعرف أن أحكام القضاء ـ رغم أنها عنوان الحقيقة ـ قد تصدر لعدم كفاية الأدلة ، وقد يكون لأن أحد المحامين ألحن من الآخر في حجته ، أو لعجز الآخر في إثبات حقه ، أو نفي الإتهام عنه ، وليس لأن من حكم له ، قد أصاب كبد الحقيقة . والأمر قضائياً لم ينته بعد . كما أن مجلس النواب لم يحدد موقفه من مناقشة الإتفاقية من عدمه ، وغير معروف الرأي الذي سينتهي إليه إذا ما قرر مناقشتها . كل هذه الأمور محل خلاف بين فقهاء القانون ، وهذا يعني أن الباب لا يزال موارباً . هذا علي مستوي الجانب المصري ، أما علي المستوي السعودي ، فهو في انتظار الموقف النهائي لمصر . ومن حق السعودية الإلتجاء إلي لتحكيم الدولي ، حال انتهاء الموقف المصري ، إلي مصرية الجزيرتين . أما أن يستخدم الحكم الصادر من الإدارية العليا للتشهير بالقيادة المصرية ، وبالمؤسسات المصرية ، وبأنه دليل وبرهان علي الخيانة ، التي تستوجب المحاكمة القانونية أو الشعبية أو كليهما ، فهذا هو الإبتزاز والإستغلال السياسي الفج ، الذي يبرهن علي المراهقة السياسية النفعية ، التي تقف نظرتها عند شراك النعال ، ويقف التعبيرعن صبيانية فرحتها عند حدود الإشارة البذيئة بأصبع اليد . وللأسف أن من بين هذا الفريق ، وأحد مناصريه ، مرشحي رياسة سابقين ، أحدهما يرتدي قميص الناصرية ، والحلم العربي الناصري . وأنا شخصياً أميل إلي القول بالحلم الذي يأتي علينا يوماً ، فلا يفترق عندي أو عند السعودي ، إلي أي بلد تتبع الجزيرتين . أو علي أقل تقدير أن ندير خلافاتنا علي نحو محترم مهذب . وأن ندرك أن الخصومة السياسية مجرد اختلاف في النظرة للأشياء ، وأنها ليست مدعاة أبداً للتدني والهبوط الأخلاقي ، وأنه يتعين دائما أن نجعل لشعرة معاوية وجود ، وأن نترك الأبواب بيننا مواربة ، كي يتسني لنا الدخول .