جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
الخيانة صفة مذمومة مرذولة ، " والله لا يحب كل خوان أثيم " . والخيانة هي إتيان المرء من حيث لا يحتسب ، أو إتيانه من الجانب المأمون له . والخيانة قد تكون عملاً " أي : فعلاً مصحوباً بقول " ، أو فعلا " بدون قول " ، أو قولا " بدون فعل " ، أو صمتاً " في مواجهة العمل ، والفعل ، والقول ـ سواء أكان رضاءً وقبولاً ، أو رفضاً وعدم قبول " . والخيانة ممارسة أخلاقية منحطة في مواجهة الغير . وأن تخون فرداً فتلك مصيبة تحل به ، إذ أنك تهدمه ، وتمتص دمه وعظامه ، وتعمل لحساب غيره ضده ، وهو يتوهم أنك تساعده ، في بناءه لذاته ، وارتقاءه بنفسه ، وتقدمه في حياته . وأن تخون حبيباً ، فإنك تخدعه ، تأخذ منه ما يأخذ الحبيب من الحبيب ، لحسابك وحساب غيرك ، وأنت تحب غيره من وراء ظهره . وهذا في عرف الدين والأخلاق ، وما فطرت عليه البشرية ، ارتكاس ، وخسة ، وانحطاط أخلاقي . فإذا ما صعدنا قليلاً من مستوي الفرد إلي مستوي الجماعة ، ومن مستوي الجماعة إلي مستوي المجتمع ، ومن مستوي المجتمع إلي مستوي الأمة ، لتبين حجم الجرم الذي يقترفه الخائن ، في حق المجتمع بحق كل فرد فيه . ومن هنا كان استبشاع واستقباح الخيانة . والخائن وهو يخون لا يعلن خيانته ، لا تصريحاً ولا تلميحاً ، وإنما يقترفها في الخفاء سراً ، تحت جنح الظلام ،خلف السراديب المغلقة ، حتي لا يفتضح أمره ، ولا يفتش سره ، ولا تعرف خيانته ، لأنه يعلم يقيناً ، أن ما يحاك منه ، لا يصح ـ خشية ـ أن يطلع عليه الناس . وأخف أنواع الخيانة ، فيما يتعلق بالأوطان ، هي تلك الخيانة ، التي يظن مقترفها ، أنه يحسن بالوطن صنعاً وهو يخون . ضلالة ، وجهلاً . وأشد أنواع الخيانة ، هي تلك الخيانة المدركة ، المحسة ، التي يدرك فيها الخائن ، أنه بائع لمشتري ، لغاية معروفة . فهو يعلم أنه بائع ، وأنه يقبض الثمن ، حفنة من الدولارات ، أو خدمات شخصية ، أو وعود بمكاسب مادية أو أدبية . ويعلم أنه يبيع الوطن لإلحاق الضرر به ، وتقويض أركانه ، وهدمه ؛ لصالح مشتري . والمشتري يدفع الثمن ، لا ابتغاء مرضات الله ، وإنما لإلحاق الأذي بالوطن . وهناك خيانة بالتبعية ، وهي تلك الخيانات التي يرتكبها البعض نتيجة تبعيتهم ، فكراً ، وتوجهاً ، وسلوكاً لخائن ما . ولا يصح التنصل من جريمة الخيانة بالتبعية ، بزعم التبعية . أقول ذلك بمناسبة التسريبات ، التي أذاعها الإعلامي / أحمد موسي ، علي فضائية صدي البلد ، لمكالمات هاتفية ، منسوبة للبرادعي . علي غرار المهاتفات ، التي كان يذيعها الإعلامي عبد الرحيم علي ، لبعض نشطاء ثورة يناير . إلا أن مكالمات البرادعي قد طالت هذه المرة الكبار . والبرادعي قد بانت عمالته وخيانته ، علي نحو مبكر ، وكذا نشطاء الثورة بالإيجار، فهم لم يستطيعوا السيطرة علي أنفسهم ، ولم يتملكوا الحاح حاجاتهم عليهم ، فبانت عليهم علامات الثراء ، ودلالاته علي نحو لافت ، وذلك دون مبرر مقنع ، راهن أو تاريخي ، علي مصادر هذا الثراء . وبالقطع ستجد من يدافع عن نفسه ، بإنكار أن ما ظهر في التسجيلات ، هو صوته ، وهناك من سيلتزم الصمت ، ويطأطيء الرأس ، حتي تمر الريح العاتية وتعبر، وينقشع الغبار . وهناك من سيحاول جرك إلي قضية جانبية ، بعيداً عن الموضوع الأم ، فتجده يذهب بك إلي أن التصنت علي المكالمات ، وتسجيلها ، وبثها عبر وسائل إعلامية ، جريمة يعاقب عليها القانون ، وانتهاك صارخ للدستور . وهناك من سيذهب إلي القول ، بأن ما احتوته التسجيلات ، لا يعدو كونه رأياً شخصياً ، قابلاً للنقد . والكل يعتمد علي مقولة خاطئة ، مفادها أن الشعب المصري ، من ذوي الذاكرة السمكية ، سرعان ما تنسي ، وتنمحي خلال بضع ثواني ، ويعود الجميع إلي سيرته الأولي . والحق أنه من ذوي الذاكرة الجملية ، ذات القدرة الهائلة علي التخزين ، ولآماد بعيدة . ولن ينطلي عليه الإنكار ، أو الصمت ، أو الجري إلي مزالق فرعية ، واتهامات فرعية دفاعية شراكية . لأن الخيانة في نظره ، ليست وجهة نظر،حتي تكون قابلة للتدوال ، والمناقشة ، والنقد ، والنقض ، والجدل ، والتمييع ، وإنما الخيانة خيانة . وجميع حقوق الخائن تسقط بخيانته ، بإجماع الشعب المصري ، فمن وجد في الدرهم والدينار والدولار بديلاً دائفاً لأحضان الوطن ، ووضعهما في محل المقايضة ، والإستبدال ، فلا مكان له في أحضان الوطن . وما مواقف البرادعي ، وتغريداته ، وتسجيلاته الصوتية عنا ببعيد . وأنا أذهب مع من ذهب إلي القول بسحب الجنسية ، وقلادة النيل ، وأي تكريم مادي أو أدبي لكل خائن للوطن . وتحيا مصر .