نسمات مديحة حسن

شعر / خواطر / قصة قصيرة / وطنيات

 

دعك من الكلام الإنشائي النمطي ، الذي نتناول به قضية حرية الرأي والتعبير. ودعك كذلك من الجانب القانوني والدستوري لها . فهنا ليس مجال الكلام الإنشائي المنمق ، مهما كانت بلاغته ، ولا مجال العرض القانوني الجامد المجرد ، البعيد عن الواقع والتطبيق . فالأمر ليس ببغائياً ، ولا يحتمل ذلك . وإنما نأتي علي حرية الرأي والتعبير ، من زاوية ارتباطهما بالعقل الإنساني . فالرأي لا يتأتي إلا لمن يتمتع بنعمة العقل ، فلا رأي يعتد به كرأي لمجنون ، أو فاقد الأهلية ، أو الطفل الذي لم يبلغ الحلم . ومن ثم فإن حرية الرأي والتعبير مرتبطة بإحدي وظائف العقل البشري ، وهي وظيفة التفكير . وهذه الوظيفة ، يصعب إلغائها ، أو إيقافها ، أو تعطيلها بحال . ومن ثم فإن ما ينبعث عنها ، أو يصدر منها من رأي ، أو وجهة نظر ، يتشكل بالضرورة في صورة من صور التعبير . ومن هنا القول بأن حرية التعبير ، لاحقة لحرية الرأي . ويمكن للإنسان ، التوقف عن التعبير عن رأيه ، توقفاً إراديا إختياريا . ويمكن أن يتم إيقافه عن التعبير عن رأيه ، بتعطيل وسيلة التعبير التي يستخدمها ، بطرق المصادرة والمنع . أما حرية الرأي ذاتها لا يصح عملياً ، مصادرتها ومنعها . والقول بغير ذلك ـ علي سبيل الحقيقة لا المجاز ـ يعد خلطاً شديداً بين المفاهيم . ولا يصح الخلط كذلك بين حرية التعبير عن الرأي ، والشَّتْمُ ، والسّب ، والقذف . فالأولي حق ، والثانية جريمة . والثانية معاقب عليها بموجب القانون ،لأنها تتعلق بالإعتداء علي حقوق الآخرين ، ولا يتعين اتخاذ حرية الرأي والتعبير درعاً ومتراساً للإنتقال من ممارسة الحق في الرأي والتعبير ، إلي ممارسة جرائم الشتم والسب والقذف . تلك هي حرية الرأي والتعبير بين التوقف والإيقاف كما أراهما بعيداً عن النظريات الأكاديمية ، وهواة التنظير الإعلامي . وهنا يعن لنا تساؤل مؤداه : هل ما حدث مع إبراهيم عيسي توقف أم إيقاف ؟ ! . ولكي نجيب علي هذا التساؤل لابد من الوقوف امام بيان قناة القاهرة والناس . وامام بيان إبراهيم عيسي . وقبلهما نقف أمام حقيقة فاصلة . أما الحقيقة فهي أن قناة القاهرة والناس قناة خاصة مملوكة لصاحب شركة إعلانات . أي أنها مملوكة لرجل أعمال ، يصعب الضغط عليه من جانب الدولة ، في زمن رجال الأعمال . كما أن طبيعة نشاطه من الأنشطة التي يحتاجها رجال الأعمال ، ويسعون إليها ، فهل يمكن القول بتعرضه لضغوط ؟ . لا أظن ،لأن اسلام بحيري كان يقدم برنامجه من خلال هذه القناة ، وعندما أرادت جهات ما إيقافه ، قدمت ضده بلاغات ، قدم علي إثرها للمحاكمة ، وتوقف برنامجه تلقائياً . وعلي ضوء ذلك تتم قراءة بيان القناة الذي جاء فيه : "حرصـًا من قناة "القاهرة والناس" على مبادئ الشفافية والمصارحة والمهنية، فإنها تود إبلاغ مشاهدي برنامج 'مع إبراهيم عيسى' بأن الإعلامي الكبير تقدم باعتذار إلى إدارة قناة "القاهرة والناس"، معربـًا عن رغبته في عدم الاستمرار في تقديم برنامجه التليفزيوني على شاشتها اعتبارًا من مطلع يناير 2017م . وقدم إبراهيم عيسى لإدارة القناة أسباب قراره ودوافعه ومسوغاته، وتطلعه إلى التخفف من بعض أعباء العمل، للتفرغ والتركيز على مشروعاته الكتابية والإبداعية في الفترة المقبلة " . وهذا يعني صراحة أن القناة لم تتعرض لأي ضغوط أو مضايقات للتخلص من ابراهيم عيسي . ولم يكذب ابراهيم عيسي بيان القناة ، ومن هنا يصعب الزعم ، بأن القناة لا تستطيع الإفصاح ، وإلا لكذبها ابراهيم عيسي . أما بيان إبراهيم عيسي نفسه ، فقد جاء فيه : " فقد أحاط الجمهور برنامجي بإهتمام بالغ وتفاعل مدهش وجدل متجدد ونقاش واسع جعل حلقات البرنامج علي درجة من التأثير الذي عبر حدود تأثير مجرد برنامج تليفزيوني مما ألقي عليه أعباء وتعرض معه لأنواء وأحيط بالضغوط ففي الوقت الذي ساهم فيه في اتساع عقول تسبب كذلك في ضيق صدور وبكل حب لمن أحب البرنامج ولمن اختلف مع صاحبه ". فبحسب ذلك ، هناك ضغوط . ممن هذه الضغوط ، وعلي من ؟ . لم يفصح إبراهيم عيسي عن ذلك . وإزاء ذلك نجد أنفسنا في مواجهة فرضيتين ، الفرضية الأولي : أنه تم إيقافه .الثانية : أنه توقف . ففي الأولي : نجد أنفسنا كذلك أمام عنصرين : الأول ـ أنه تم إيقافه من القناة ، وهذا حق أصيل لها ، إذا وجدت القناة نفسها في مواجهة خسائر ، سواء من الجمهور ، أو من السلطة ، أو في الجانب الإقتصادي . الثاني: أنه تم إيقافه بموجب ضغوط من جانب السلطة ، عليه أو علي القناة . ليس نتيجة ممارسة حرية الرأي والتعبير ، وإنما نتيجة تجاوز هذه الحرية ، والدخول إلي مناطق التجريم . وهل كان ابراهيم عيسي يدخل إلي مناطق التجريم ؟ . وأنا أقول أن تجاوزاته تقول بذلك ، وحلقات برنامجه موجودة علي اليوتيوب . فحين يتهم بطريقة فجة رئيس وزراء مصر لا يفهم في السياسة ، ويتهم رئيس مجلس النواب بذلك ، وكذا أعضاء مجلس الشعب ، ويمارس الإساءة لبعض الدول العربية علي نحو يؤثر علي حسن العلاقات بالدولة المصرية ، ويتهم من لا يتفق معه بأنه لا يفهم ، ويمتد الأمر إلي حد توجيه اتهامات للسلطة ، بما فيها رئيس الدولة ، بشأن الإرهاب، وأن الدولة دولة سلفية ..الخ . وتجديفه في حقوق الأقباط ، والقول باضطهادهم ، وممارسة العنصرية ضدهم، وقت تفجير الكنيسة البطرسية ، فكل ذلك يمثل تجاوزاً لحدود حرية التعبير . فإن كان الأمر قد وقع داخل هذا الإطار ، فالمطلوب من إبراهيم عيسي الخروج علينا ببيان صريح يفيد هذا المعني . خاصة أنه يمتلك جريدة المقال ملكية خاصة يمكنه من خلالها قول ما يريد . ولم يتم مصادرتها . وحين ذلك نقول للسلطة لا يصح مصادرة أو إيقاف كاتباً أو مبدعأً ، قانونياً أو دستورياً . ونقول للكاتب أو المبدع لا يصح تجاوز إطار الحرية في رأيك ، والوصول إلي إطار الجريمة . الفرضية الثانية : وهي أنه توقف من تلقاء نفسه . هي فرضية قائمة يصعب نفيها . فمن الممكن حين ينفض الجمهور من حوله ، أن يلتجيء إلي الحيل الدفاعية ، حتي يظل متوهجاً براقاً . أي الإنسحاب التكتيكي بقصد خلق مساحة من التشويق والمتابعة ، تدفع بالجماهير إلي ملاحقة أخباره . أما ما أراه من مزايدة ، من بعض الإعلاميين ، تحت ذريعة إبراهيم عيسي ، وما حدث له منه أو من غيره ، لتحقيق مكاسب أو بطولات وهمية ، خاصة ، أو أنهم يقدمون لأنفسهم ابتزازاً ، للسلطة أو الدولة ، أو تعاطف الجماهير ، فهو أمر غير مقبول .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 40 مشاهدة
نشرت فى 4 يناير 2017 بواسطة nsmat

مديحة حسن كاتب وشاعر

nsmat
شعر / خواطر / وطنيات / قصة قصيرة / اخري »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

191,881