جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
أيُّهَا القمر !
الآن ، وقد أظلمَ الليلُ وبدأتْ النجومُ تنضخُ وجهَ الطبيعة
مِنْ طولِ ما انبعثَ في النهار برشاشٍ مِنْ النورِ الندي
كأنَّها أنفاسٌ تتثاءَبُ بها الأمواجُ المُستيقظة
في بحرِ النسيانِ الذي تجري فيهِ السُفنُ العتيقة
من قلوبِ عُشَّاقٍ مهجُورين بَرَحَتْ بهم الآلامُ المُبرحة
تلكَ التي تحملُ الغيبَ تعباً وترحاً
وقد بدأتْ الطبيعةُ تتنهدُ وتتنفسُ
وتبعثُ أخبارَ نهارها
تلألأت النجومُ كالابتسامِ الحائرِ على شفتي الحسناءِ البخيلة
حيرةُ القطرةِ مِنْ الندى
إذ يلمعُ في نورِ الضُحى
وأقبلَ الفضاءُ يُشرقُ كالقلبِ الحزين حين ينبعُ فيهِ الأمل
وأقبلتْ كلُّ نفسٍ شجيةٍ تُرسلُ آمالها إلى نفسٍ أُخرى
ونامَ قومٌ قد خلتْ جنوبُهم ، فليس لهم نفوسٌ ولا قلوب
وقد طلعتَ أيها القمرُ تملأُ الدُنيا أحلاماً
وتُشرفُ على الأرضِ كأنكَ روحُ النهارِ الميت
فَهَلُمَّ أبثُكَ نجواي
وأطرحُ أشعتكَ على قلبي
لعلي أتبينُ منبعَ الدمعةِ التي أنزفُها
كلُّ دموعِ الناسِ لا تُبلُّ ظمأَ النسيان
ولو انحدرتْ كالسيلِ يدفعُ بعضهُ بعضاً
أرأيتَ أيُّهَا القمرُ هذا النهرُ الصافي الذي يجري
كأنَّهُ دموعُ السَحَر
وما دمعتي أيُّهَا النَهَّر
وهي أطهرُ شيءٍ وأصفاه
مالي ومالكُ أيُّهَا القمر
لا أُحبُّ أنْ أفيضَ عليكَ دمعتي
ولعمري أيُّهَا القمر
إنِّي لأشكو إليك بثي وحُزني ووجيعتي
وإنكَ لتُجيبني الجوابَ الصامتَ البليغ
فتطرحُ أشعتكَ في قلبي
آخذُ من بعضِها قولاً
وأُرجعُ إليكَ بعضَها قولاً
آهٍ عليكَ يا قمري الجميل
لا ترفعُ للنَّهارِ حتى يُغْمَدُ حسامُ الضياءِ في جفنهِ
وترى فيها الروحُ باباً من أبوابِ السَّماءِ كانَّها طهارة
حنانيكَ يا قمري الجميل
امسح عن قلبي هذهِ الغيمة السوداء
حتى أراكَ على وسامتكِ وضيائك
حنانيكَ ورُحمَاك ، إنَّ على قلبي غيمة
احمل أيُّهَا القمرُ قطرةً مِنْ ندى الروحِ الجميلة
الذي ينسكبُ في أنفاسِ الحبيبة
حتى تمتزجَ الحكمةُ على شفتي
ولكن ، يا قمرَ السَّماء
ويا مثالَ النيةِ البيضاء
يا شبيه كلمةِ الرضا المُبتسمةُ على شفتى الحسناء
إنَّ لهذا الابتسامَ روحاً
أترى الطبيعةَ باكية ؟!
تنتدي بها أجفانُ العيونُ النَّجلاء
التي تجعلُ الرجالَ العِظامَ صِغَاراً
وفي عيونِ الأطفالِ والنِّساء
ذلكَ النُّورُ يسترسلُّ في طريقِ الدُعاء
وكم ناجاكَ أيُّهَا القمرُ مِنْ عاشقٍ قبلي
من ابتسامِكَ ترتوي منهُ النفوس
وأراكَ في كلِّ زهرةٍ تفوح
وعلى كُلِّ نجمٍ يلوح
يُرسلُ الحُبَّ والخير
فإذا كلُّ شيءٍ فيهِ شعاعٌ ونور
للهِ جمالكَ الفَتَّان
اترك لنا مِنْ حُسْنِكَ بقية
فلولا النفوسُ التي تُدركُ قيمةَ الجمالِ
ما وِجِدَتْ على الأرضِ نفوس
وأنَّ السَّاعةََ الفلكيةَ لا تُقَدِمُ الوقتَ ولا تُؤَخره
وينسدلُ الليلُ ثانية
ولينهمرُ الغيثُ كلُّمَا جفتْ لهاةٌ من الظَمأِ في الصحراء
كلُّ نهارٍ على ما يشاؤه
ولقد يحسبُ الناسُ مِنْ غِلاظِ الأكبادِ أنَّ الطبيعةَ مُبتذلة
وأننا خُلقنا فقط للفناء