نسمات مديحة حسن

شعر / خواطر / قصة قصيرة / وطنيات

تناولنا فيما قبل في مقالين ، عرضنا في المقال الأول : البرادعاوية / كوميديا سوداء في تاريخ مصر ، ثم عرضنا في المقال الثاني : لتطور الحالة البرادعاوية من الكوميديا السوداء إلي الخيانة . وفي مقال اليوم نستكشف سوياً ، سقوط ما قبل السقوط ، من خلال إعادة قراءة نص بيان البرادعي ، الذي أصدره قبيل دعوة 11 / 11 التي اطلقوا عليها " ثورة العلابة " . فقد سجل البرادعي علي نفسه ، وعلي تابعيه ، في البند 3 من بيانه ، والذي نص علي : " فى ضوء هذا الامر الواقع - رئيس محتجز وملايين محتشدة في الميادين - أصبحت الاولويه بالنسبة لى هي العمل على تجنب الاقتتال الأهلى والحفاظ علي السلمية والتماسك المجتمعي من خلال خارطة طريق- تمت صياغتها في عجالة - بنيت على افتراضات مختلفه بالكامل عن تطورات الأحداث بعد ذلك : رئيس وزراء وحكومة تتمتع "بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الانتقالية"،انتخابات برلمانيه ثم رئاسية مبكرة وكذلك - وهو الأهم - لجنة للمصالحة الوطنية. وقد قبلت فى ضوء ماتقدم ان أشارك فى المرحلة الانتقالية على هذا الأساس كممثل للقوى المدنية بهدف المساعدة للخروج بالبلاد من منعطف خطير بأسلوب سلمى بقدر الإمكان " . وبإنعام النظر في هذا البند ، نجد أنه قد تكلم عن الملايين المحتشدة في الميادين ، وهذا صحيح ، إلا أنه لم يبين ما إذا كانت هذه الملايين تابعة للإخوان بكل أطيافهم ودرجات انتماءاتهم ؟ . إن كان يقصد ذلك ، فقوله الكذب البواح ، لأن هذا الفريق لو اجتمعوا ما شكلوا ملايين ، وقد كان يسهل حصرهم ـ بعد أن لبوا نداء جماعاتهم للحشد ـ في ميداني رابعة العدوية ، والنهضة ، وهما لا يسعان ملايين ، ولا حتي مليوناً واحداً . أما إذا كان يقصد ملايين الشعب الذين احتشدوا في الميادين والشوارع علي نحو غير مسبوق في التاريخ البشري المعروف . فهذا صحيح ، ويمكن أن نستنتج منه نتيجة مغايرة لتلك التي طرحها البرادعي ، فتلك الملايين التي تجاوزت الكتلة الحرجة التي تكلم عنها علماء الإجتماع ، تمثل ثورة شعبية حقيقية تستوجب خلع مرسي ، كما خلع مبارك ، دون أي حديث عن شرعية مزعومة ، تم إسقاطها بهذه الملايين . وتصبح القلة المتجمعة في ميداني رابعة والنهضة ، قلة مارقة عن إجماع الشعب المصري ، ليس لها من حقوق في مواجهة حق المجتمع ، إلا إذا كانت تسعي إلي ممارسة ديكتاتورية الأقلية . أما النتيجة التي خلص إليها البرادعي من احتشاد الملايين ، فهي نتيجة خبيثة مسمومة ، تستهدف التخديم علي وجهة نظره . حيث خلص إلي حدوث إقتتال أهلي . وهو يعلم أن الإقتتال الأهلي لا يكون إلا بين قوي متكافئة ومتعاندة ومتناقضة في المجتمع . وهذا غير دقيق ، إذ أن الفئة المارقة عن إرادة الشعب لا تساوي سوي نقطة في محيط خضم ، فهل رأيت نقطة تتكافأ مع موج البحر فتقاتله أو تحاربه ؟ . ولكنه أراد أن يخلق لنفسه دوراً وطنياً بطولياً ـ ليس أهلاً له ، ولا مؤهلاً له ـ لم يطلب منه الشعب أداءه . حيث صور نفسه ـ دون جبهة الإنقاذ التي ساهمت في صنعه ـ بأنه يسعي لتجنب الإقتتال الأهلي والحفاظ علي السلمية والتماسك المجتمعي . ولا أدري ما الذي فعله تحديداً كي يحقق ذلك . إنه يزعم أنه أعد خارطة طريق عاجلة ـ كأن المجلس العسكري كان ينتظره هو بالذات لعمل تلك الخارطة ـ في نفس يوم الدعوة إلي الإجتماع ، الذي دعت إليه القوات المسلحة ، ممثلي القوي السياسية والوطنية ـ وهذا ينفي ضلوعها في انقلاب عسكري ـ كما يحاول البرادعي الإيحاء بذلك بقوله : " بنيت على افتراضات مختلفه بالكامل عن تطورات الأحداث بعد ذلك " وكأنه بخطته المزعومة ذهب إلي جانب ، وذهب المجلس العسكري إلي جانب مغاير ـ كي يبرر لنفسه هروبه من الميدان مع بدء فض اعتصامي رابعة والنهضة ـ وقد تجاهل في خطته ـ رغم علمه بذلك سواء علي نحو مسبق أو مفاجيء ـ بأن مرسي قد جري احتجازه ، كإجراء احترازي حتمي ، وبدأ الخطة برئيس وزراء له كافة صلاحيات إدارة شئون البلاد ـ أو كما أشيع تشكيل مجلس رئاسي ـ وهذا ضمنياً يعني الإبقاء علي مرسي رئيساً . وقد انتهت خطته بتشكيل لجنة وطنية للمصالحة . ولم يذكر البرادعي من السبب وراء إفشال المصالحة التي سعي إليها ، وتدخلت فيها قوي اوروبية ، قامت بمساعي مكوكية بين الإخوان والمجلس العسكري ، ولم يبين حجم المرونة التي أبداها المجلس العسكري في هذا الصدد ، التي بلغت حداً دفع البعض إلي حد اتهامه بالتراخي ولا أدل علي ذلك من طول مدة الإعتصام ، التي بلغت 40 يوماً . ثم استطرد في بيانه أن المساعي كانت بمعرفة وتوافق الجميع بما في ذلك ممثلي المجلس العسكري ، بقصد التوصل إلي أطر وتفاهمات لتجنب العنف بين مليشيات الرئيس السابق وقوات الأمن ، والتي أفضت إلي سقوط العديد من الضحايا . وهذا يعني أن هذه المليشيات كانت مسلحة ، ويستحيل الزعم بأن الإعتصام كان سلمياً ، وقد كشف أحمد المغير عن ذلك قبل هذا البيان ، فلا معني بعد ذلك لما قال به البرادعي من أنه كان هناك تقدم ملموس نحو فض الإحتقان بأسلوب الحوار ، وقد تحاورت الأسلحة والذخيرة . ولا معني مطلقاً لاعتراض البرادعي علي فض الإعتصام بالقوة ، بعد إقراره بعدم سلمية الإعتصام . وقد أرجع الرفض ليس لأسباب أخلاقية فقط ، وإنما لوجود حلول سياسية شبه متفق عليها . ولم يفصح البرادعي عن الطرف المعوق للحلول السلمية ، وكأنها من الوضوح بحيث لا تحتاج إلي إفصاح . وقطعاً التعويق والعرقلة كان من جانب الجماعة ، لأنها أرادت أن تعود بالناس والمجتمع إلي المربع صفر مرة أخري ، وتكون بذلك قد لوت عنق الدولة . ولا أدري أي أسباب أخلاقية تلك التي استند إليها البرادعي في رفض الفض ؟. وإلي متي يحتمل المجتمع وجود مثل هذا الإعتصام المتحدي لإرادة الأمة ؟ . لقد كان المخطط استمرار الإعتصام لخلق شرعية موازية لشرعية السلطة القائمة ، يجري الإعتراف بها من جانب القوي المتآمرة ، ويجري تشكيل جيش حر من مليشياتها المسلحة ، ويبدأ النزاع المسلح بين شرعيتين ، إلي أن تنتهي مصر إلي ما انتهت إليه سوريه وليبيا . ومن هنا يمكننا القول بأريحية أن البرادعي قد سقط أخلاقياً ، قبل أن يسقط سياسياً بهروبه من الميدان ، كنائب لرئيس الجمهورية في الفترة الإنتقالية .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 36 مشاهدة
نشرت فى 15 نوفمبر 2016 بواسطة nsmat

مديحة حسن كاتب وشاعر

nsmat
شعر / خواطر / وطنيات / قصة قصيرة / اخري »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

191,881