جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
المفترض ـ نظرياً ـ أن الغرب ، يُصدِّر لنا مجموعة القيم النموذج ، باعتباره ، بقيمه الفاعلة فيه ، متقدماً في كل المجالات . ويطلق عليه العالم الأول ، وقاطرة البشرية للولوج إلي المستقبل . والمفترض ـ نظرياً أيضاً ـ أن نتبع هذه القيم ، إذا أردنا اللحاق بالركب ، أو علي الأقل حرصنا علي عدم اتساع الهوة بيننا وبين هذا العالم أكثر مما نحن فيه أو عليه . هذه القيم سواء أكانت وضعية ، أو سماوية ، أو مزيجاً بينهما ، هي سر الخلطة السحرية للتقدم والرقي . هكذا يزينون لنا . مع أن هذا الكلام غير صحيح علي إطلاقه . فالموارد غير البشرية التي توفرت للعالم الأول ، قبل أن يصبح كذلك ، جاءت من الإستخراب الذي جري نتيجة إحتلالهم لبلاد العالم الثالث ، قبل أن تصبح كذلك ، ونهب ثرواتها ، علي نحو غير أخلاقي ، وارتكبوا في سبيل ذلك كل الموبقات المهلكات . ولو أنهم أخلاقيون كما يزعمون ، لقاموا بتعويض الدول التي أصيبت بداءاتهم ، علي نحو عادل ، أو قريباً منه . ولو أنهم أخلاقيون كما يزعمون ، لأخذوا من المذهب الإشتراكي الجانب الإنساني منه ، بدلاً من أن يسقطوه بالكلية ، ويتركون الإنسان فريسة سائغة للرأسمالية المتوحشة ، التي تطحن عظام فئات من الناس لمصلحة فئة بعينها منهم . أو لنظروا للإسلام نظرة إنصاف وتقدير ، بدلاً من الحط من قيمه ، والنيل منه ، كلما عَنَّ لهم ذلك . كما أن القيم عند الغرب قيم نسبية ، تختلف من مكان إلي مكان ، ومن موقف إلي موقف ، ومن زمان إلي زمان في المكان الواحد . إنها قيم نفعية لا أخلاقية ، يحكمها مبدأ " المصالح تتصالح " ، وأن الحقائق لديهم ليست مجردة ، وأنه لا توجد صداقات دائمة ، وإنما توجد فقط مصالح دائمة . إن قيم الغرب قيم من العجوة ، أشبه بإلإله من العجوة ، عند المشركين العرب قبل الإسلام ، يعبدونه من دون الله ، حتي يشعرون بالجوع ، فإذا شعروا بالجوع أكلوه ، ثم يصنعون إله غيره . تجد ذلك في قيم الحرية ، والعدالة ، والديمقراطية ، وحقوق الإنسان ، وغيرها . وقد سبق للغرب وأمريكا اختراق المواثيق والأعراف الدولية في ضربهما لشعب العراق ، وإسقاط نظامه ، وتسليم رئيسه لخصومه السياسيين لشنقه فجر يوم عيد المسلمين الأكبر ، عيد الأضحية . وقد سبق ذلك حصار الشعب وتجويعه لعقد من الزمان . وذلك استناداً لمزاعم واهية لم يقم عليها دليل ، ولم يقدموا عليها بينة . واليوم يذهبون مذهباً آخر ، لضرب قيمة من القيم الأخلاقية الإنسانية الراسخة . وهي قيمة حرية الإختلاف في الرأي السياسي ، دون أن يلحق بالمختلف ، أو المختلف معه ، من وراء ذلك أذي . وذلك يعلي من شأن القيم الإنسانية الراقية بعيداً عن التسلط ، والإستبداد ، والإنفراد بالرأي . وقضية الإغتيال السياسي من القضايا المستهجنة أخلاقياً ، في الديانات السماوية ، وفي الأعراف الأرضية الوضعية ، وقد استقرت البشرية علي ذلك ، وسنت من القوانين ما يغلظ عقوبة هذا الفعل القمعي الإرهابي . وعندما نقر بمشروعية فعل الإغتيال السياسي ، سنفتح باباً من الشرور لا ينغلق ، يرتكس بالبشرية إلي عهود البدائية ، وشريعة الغاب . وهذا ما جري التباحث حوله في الجنة الأرضية التي حلم بها بعضنا ولا يزال . فقد أشار الكاتب الأمريكي جون هادسون في مقال له بمجلة فورين بوليسي الشهيرة ، أن صقور الكونجرس الأمريكي ، وهم مجموعة من قدامي الحزب الجمهوري المتشددين ، وأصحاب النفوذ السياسي الواسع ، جربوا طرقا كثيرة لدفع البيت الأبيض ـ الحزب الديمقراطي الحاكم ـ إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه سوريا . كما أشار إلي أن أحد مستشاري السيناتور الجمهوري عن ولاية كولورادو دوج لامبورن ، قد اقترح علي فيليب جوردن ، الذي كان منسقاً لشئون الشرق الأوسط في البيت الأبيض سابقاً ، اغتيال الأسد . وقد جاء ذلك في جلسة سرية أقامها مجلس العلاقات الخارجية ، وحضرها 75 موظفاً بالكونجرس ، في الكابيتول هيل . وقد طرحت الفكرة في صيغة سؤال : " ماذا عن اغتيال الأسد؟ " . وقد جري رفض الإقتراح لسببين : أولهما ـ أنه غير قانوني . والثاني ـ أنه غير مجد . أما عدم القانونية فمردها إلي الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأمريكي جيرالد فورد سنة 1976 م ، بعد تسرب معلومات عن محاولات السي آي أيه اغتيال الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو . وهذا يعني أمران : الأول ـ أن ذلك كان يجري فيما قبل هذا التاريخ . الثاني ـ أنه يجري في سرية تامة ، أو بفعل شيء مشابه له فيما بعد هذا التاريخ . وهذا يمثل سقوطاً أخلاقياً لممثل الحضارة الغربية الأول ، لأن الأصل في عدم ممارسة الإغتيالات السياسية هو البعد الأخلاقي لهذا الفعل ، قبل أن يكون أمراً تنفيذاً ، يجوز مخالفته . وأنا اعتقد أن هذا الإقتراح لو كان مجدياً لجري تنفيذه علي الفور ، مثلما حدث مع أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة ، الذي جري اغتياله ، بدلاً من القبض عليه ، ومحاكمته . أما عدم الجدوي من وجهة النظر الأمريكية ، فمردها أن هذا الإغتيال لن يفضي إلي سقوط النظام بالضرورة ، فالأسد ليس هو النظام . فضلاً عن أن اغتياله قد يفضي إلي فوضي عارمة في دمشق وما حولها ، الأمر الذي ينتج عنه مخاطر عديدة . هذا فضلاً عن الأسد ليس بمفرده ، فلا ريب أن الروس والإيرانيين يوفرون له الحماية الكاملة هو وأسرته . هكذا تفكر العقلية الغربية ذات القيم التي يلهث بعضنا خلفها ، ناعقين بضرورة اللحاق بها ، والعمل بمقتضاها . بعضنا يتوهم أن طريقهم هو الطريق ، وأمير الشعراء أحمد شوقي يري خلاف ذلك حين يقول : " إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ::: فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا " .