جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
لا شك أن الكارثة التي تعرض لها مركب المهاجرين غير الشرعيين ، قبالة سواحل رشيد في مصر ، علي المستوي الإنساني مصيبة المصائب . وأن ما حل بهؤلاء المهاجرين يدعو إلي الأسي والأسف بغير حدود . وأن ما حل بأهاليهم وذويهم يدعو إلي التعاطف والمواساة . ولا شك أن المصاب جلل بالنسبة للدولة المصرية ، إذ أنه يمثل خصماً من الموارد البشرية المتاحة للمجتمع .
فإذا ما نحينا العاطفة جانباً ، واردنا أن نتناول الأمر بعقلية باردة محايدة ، فلابد لنا من النظر إلي الأمر من عدة جانب :
الأول ـ جانب المهاجرين .
الثاني ـ جانب سماسرة التهجير .
الثالث ـ جانب الدولة .
ونعرض لهذ الجوانب الثلاث من خلال هذا المقال .
الجانب الأول ـ وهو جانب المهاجرين ، وينطوي هذا الجانب علي عدة فروع :
الأول ـ طبيعة الهجرة .
الثاني ـ أسباب الهجرة ودوافعها .
الثالث ـ نتائج الهجرة .
الفرع الأول ـ وهو المتعلق بطبيعة الهجرة ذاتها ، ومن الواضح أن الهجرة هي هجرة غير شرعية ، وعدم مشروعيتها مستمدة من التفافها حول الإجراءات القانونية المقررة للهجرة الشرعية . فهناك إجراءات للهجرة الشرعية عن طريق القوي العاملة ، تتوفر فيها الإشتراطات المقررة قانوناً ، سواء علي المهاجر ، أو البلد محل الهجرة ، وطبيعة العمل المتوفر ، والتعاقد علي أساسه ، وحفظ كافة الحقوق المقررة المترتبة عليه . أما الهجرة غير الشرعية فتتمثل في الهجرة التفافاً علي الإجراءات المقررة ، سواء في بلد المنبع ، أو بلد المصب . ومن هنا كان فقدانها لمشروعيتها .
الفرع الثاني ـ ويتبادرـ مع الفرع الأول ـ إلي الذهن تساؤلاً مشروعاً حول علل الإلتجاء لهذا النوع من الهجرة . لا ريب أن هناك دوافع تمثل هذه العلل ، تتمثل في : ـ عدم بلوغ السن المقررة قانوناً ـ الهروب من التجنيد ـ الهروب من الأحكام الغيابية ـ الإستسهال في الإجراءات ـ عدم توافر فرص العمل المجزية في بلد المنبع ـ وضيق ذات اليد ـ الفروق في الأجور ـ الفروق في العملات ـ وقد بلغت الإغراءات التي تمثلها الهجرة غير الشرعية حداً لا يقاوم ، فإن العائدين من بلاد المهجر في أجازات أحدثوا انقلاباً في التركيبة الإقتصادية والإجتماعية في قراهم وعزبهم ، حيث السيارات الفارهة ، والمحلات الفاخرة ، والعمارات والأبراج العالية ، والأطيان الشاسعة ، الإنفاق ببزخ وإسراف ـ بغض النظر عن وجود المؤهل من عدمه . وقد شكلت هذه الظواهر دوافع لا تقاوم . وقد بلغ الأمر حد اكتساب بعض القري والعزب أسماء لمدن أجنبية . وقد ساهم في تزايد الهجرة غير الشرعية تساهل دول المصب في استقبال المهاجرين ، بغض النظر عن طبيعة الهجرة ، أو أسبابها ودوافعها .
الفرع الثالث ـ وهو المتعلق بنتائج الهجرة ، وهنا تتبدي ثلاث نتائج واضحة للعيان :
الأولي : تحقيق مآرب الفرع الأول .
الثانية : إحداث الإنقلابات الإقتصادية والإجتماعية في المجتمع علي نحو يخل بمعاييره والتزاماته ، وقيمه . الثالثة : موت المهاجرين في عرض البحر ، وما يتبع ذلك من تثكل ، وترمل ، وتيتم ، وأحزان ممتدة بطول العمر .
الجانب الثاني ـ وهو جانب سماسرة التهجير ، وهي فئة مجرمة في حق المجتمع ، لأنها تمارس نشاط التهجير علي نحو غير مشروع ، مقابل سمسرة بأرقام فلكية ، ثم تأجير وسائل انتقال غير آمنة ، وغير مشروعة ؛ لأنها قد جعلت لغير الغرض المخصصة له ، وهي فئة لا ترتب علي نفسها أي التزامات لقاء ما تقاضته من مبالغ مالية ، سوي إلقاء المهجرين في عرض البحر؛ ليلقوا حتفهم ، أو يلاقوا مصيرهم . وتلك الفئة الضالة قد وجدت ضالتها في أولئك الذين قتلهم الطموح الجامح ، في الثراء الفاحش السريع ، فغذوا لديهم دوافع السفر بأي ثمن ، وبأي طريقة . ولا توجد التشريعات التي تردع هذه الفئة ، وتجعلها ترعوي ، وتمتنع عن إقتراف هذه الخطايا ، والآثام ؛ لأن من آمن العقوبة ، أساء الأدب . وهم قد آمنوا العقوبة . والجانب الثالث ـ وهو جانب الدولة ويتمثل في الدور الذي يمكن أن تلعبه الدولة في هذه القضية ، حيث يمكن للدولة سن القوانين التي تردع سماسرة التهجير من جانب ، وتردع المهاجرين من جانب أخر . ويستكمل هذا الدور كوحدة واحدة بتوفير قوات حرس الحدود الكافية التي تغطي السواحل ، بالإضافة إلي القوات البحرية ، من جانب ثالث .
إذن فبداية معالجة هذه القضية تبدأ من الجانب التشريعي في دول المنبع ، ودول المصب للمهاجرين غير الشرعيين ، فوضع عقوبات صارمة علي المهاجرين وسماسرة التهجير في دول المنبع سيحد من الهجرة غير الشرعية .
ووضع عقوبات رادعة وصارمة علي المهاجرين غير الشرعيين في دول المصب سيحد من هجرتهم ، أو إضفاء شرعية علي وجودهم غير الشرعي . وذلك سيخدم الهجرة الشرعية التي تتم بشكل قانوني عن طريق الجهات المعتمدة للدولة ، والتي تمثل إضافة حقيقية للدخل القومي في دول المنبع . والحد من الهجرة غير الشرعية ، والقضاء عليها ، سيخلق توازناً داخل سوق العمالة ، فضلاً عن تلبية الإحتياجات المحلية . وإعطاء فرصة للدولة لتأهيل وتدريب العمالة المصرية ، وتصديرها للخارج باعتبارها مورداً إقتصادياً هاما من موارد اقتصاديات الدول .
ولا يخفي جانبان في هذا الأمر :
الأول : أن هذه الهجرة تخل بالتوازن بين الرجال والنساء من ناحية .
الثاني : الإختلال القيمي المنقول إلي المجتمعات المحلية من الدول الغربية ، دول المصب .
ولذاـ يمكننا القول أن المهاجر غير الشرعي جانياً ومجنياً عليه في آن واحد.