جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
نيبال ـــ ايها السادة الكرام ـــ طفلة في الرابعة من عمرها , طفلة في عمر زهور هذا الوطن , التي اوشكت على التفتح مع بداية الربيع , طفلة وحّدت الوطن من شماله الى جنوبه , ومن شرقه الى غربه , بل واكاد اجزم انها تعدت حدوده الى كل من سمع بها وتابعها عبر وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي , طفلة هزت لوجدان وايقظت الضمائر النائمة ودقت ناقوس الخطر , طفلة فعلت ما لم تفعله كل وسائل الخطاب التعبوي والوحدوي , طفلة علمت العالم اننا يدا واحدة وقلبا واحدا عند الشدائد . لكنها ضحت بربيع عمرها , وقدمت روحها لترتقي الى العلياء طائرا من طيور الجنة , وشفيعا لوالديها يوم القيامة ولكل من اعتبرها ابنة له .
كنت كتبت مقالا مرة قلت فيه : لوكنت مكان وزير التربية والتعليم لأدخلت على المناهج مساقا بعنوان التربية الاسرية , فنحن فعلا بحاجة له , في وقت حل الشارع محل الاسرة , والتلفاز محل المدرسة , والعاب الكمبيوتر مكان الالعاب البريئة للأطفال , الى متى ــ يا سادتي ــ نبقى دافنين رؤوسنا في الرمال , نعيش اوهام الماضي بلباس الحاضر ونغض الطرف عن جرائم لا يستوعبها عقل بشري , ذئاب بثياب بشرية وأنياب وحشية تعيش بين اظهرنا , في الجوار وربما في نفس الحي وربما نفس الشارع ونفس العمارة الي يسكنها كل فرد فينا , تهدد امننا وسلامتنا , وتنشر الرعب من حين لأخر بين اطفالنا وذويهم .
تذكرون قصة راس جحا , ولمن لا يعرفها اقول : قيل لجحا يوما النار اشتعلت في قريتك , قال : المهم سلامة الحي الذي اسكنه , قالوا : هو في حيك قال : المهم سلامة بيتي , قيل النار في بيتك قال : المهم سلامة اهلي , قيل النار في اهلك قال : المهم سلامة راسي . فإلى متى نقول المهم سلامة راسي وذقني . والى متى الفزعة التي تنتهي عادة بفنجان قهوة بعد عطوة تنتهي بصلح بين العشائر المتخاصمة , ليقول احدهم مهددا خصمه : ترى ديتك فنجان قهوة .
عندما يعتدي حدث على طفلة في عمر الاربع سنوات , فيقتلها بدم بارد ثم ويخفي جثتها ثم يذهب مع ذويها للبحث عنها , اذن فهناك خلل ما في المنظومة التربوية يجب اصلاحه فورا , وعندما يعتدي شاب في الثلاثين ايضا على طفلة ثم يقتلها , نعرف ان البطالة عششت ففرخت , وعندما يلاحق ثلاثة شباب طفلة في الصف السادس , فتدخل احد المحلات التجارية , فيطلقون النار على صاحب المحل , نعرف ان السلاح في يد من لا يفهم متى يستعمله خطر كبير , يهدد امن وسلامة المجتمع , وعندما يلاحق شاب فتاة حتى اذا احتمت داخل حافلة , دخل خلفها وطعنها وارداها قتيلة امام سمع وبصر ركاب الحافلة , وعندما تشن حروب عشائرية كحروب داحس والغبراء في جامعاتنا , نعلم ان الخطر وصل صروحنا العلمية التي كنا نباهي بها الدنيا , فلا امان في ارسال بناتنا اليها , وعندما يقتل الاخ اخاه والابن اباه والام وليدها من اجل عرض من عروض الدنيا , نعرف ان الدنيا ليست بخير , وهذا ايها السادة غيض من فيض والحبل على الجرّار .
عندما غزت روسيا الفضاء قبل امريكا واطلقت اول قمر صناعي ابان الحرب الباردة في الرابع من شهر تشرين الاول اكتوبر عام 1957 سبوتتك 1 ثم 2و3 : قال الرئيس الامريكي يومها الخلل يكمن هنا , يعني المدرسة , يعني ان المنظومة التعليمية يجب ان تتغير , وعندما هزمت اليابان في الحرب العالمية الثانية وقف إمبراطور اليابان ليقول : ايها الشعب العظيم , اننا لم نهزم من ضعفنا وقوة عدونا , وانما هزمنا العلم وسنحاربهم بنفس سلاحهم , واظنكم تعلمون من هي اليابان اليوم . لماذا نحن ايضا لا نعيد النظر في منظومتنا التعليمية برمتها , فالسر يكمن فيها .
كثيرا ما نرسل البعثات التعليمية الى الدول المتقدمة , وننفق عليها المبالغ الطائلة من جيوب شعب انهكته البطالة بسبب اخطاء في المنظومة التعليمية , لتجد اكثر من مئة الف حامل شهادة عاطل عن العمل , ماذا تفعل هذه البعثات لم لا تأتي بمنظومة تعليمية جديدة تواكب تقنيات العصر ومتطلباته وتغير من برامج التعليم وفلسفة .
اليابان اليوم تدرس مساق الاخلاق منذ الصف الاول الاساسي , يراقب الاباء والمعلمون نوعية الالعاب التي يمارسها اطفالهم , ويوجهون ابناءهم من البداية كل حسب ميوله وهوايته , ويرفض الاب الياباني والام رغم انشغالهما ان يشرف على تربية ابنائهما غيرهما .
في بلادنا كثرت الحضانات ورياض الاطفال , واغلب العاملات فيها مسحوقات يسرق جهدهن ولا يأخذن سوى الحد الادنى من الاجور مع تحايل من قبل اصحاب هذه الحضانات ورياض الاطفال على العاملات , فالعاملة مضطر بسبب الحاجة لتوقع احيانا على اجر وتأخذ دونه , ومن لا يرتاح لا يريح , وفاقد الشيء لا يعطيه , فيتعلم الطفل العنف منذ هذه المرحلة المبكرة , اذ لا يجد من يأخذ له حقه ان ظلم , ولا يحاسب ان ظلم , واذا اخبر الطفل ذويه يكون ردهم بالحرف الواحد : لماذا لا تضربه , غدا يجب ان تأخذ بثأرك منه , وتبدا الموثبات ( كلمات تحض على الاخذ بالثار ) , فتكون النتيجة حجرا على جبين ذلك الطفل فتسيل الدماء وتقوم بعد ذلك معركة ضروس بين العائلتين , قد تقع فيها العديد من الاصابات , ثم تبدا الجاهات والوجاهات , وفيها عادة ما يخسر الضعيف ويفوز صاحب اللسان والحجة .
في المدرسة ليس الامر احسن حالا ايضا , فالمعلم مقموع ومقيّد بقوانين بالية عفى عليها الزمن وتجاوزتها الامم المتقدمة , التي اعطت المعلم راتب الوزير وسلطة القاضي , ليتفرغ للتربية والتعليم , ولا يضطر للعمل بالساعات خارج الدوام لتامين لقمة العيش ومتطلبات الحياة لأطفاله , او رسوم الجامعات التي تفوق الخيال , ماذا سيفعل هذا الشاب وهو يرى فرصته في العمل يسرقها منه ابن نائب او وزير او مدير عام .
في الجامعة لا يسال الاب ابنته كيف تخرج ومن تخالط , فماذا تريد من شاب اترعته ثقافة العائلة والعشيرة فيعتبر نفسه مسؤولا عنها وعن بناتها , فتبدا الحروب الطاحنة بين ابناء العشائر تستخدم فيها كل وسائل القتال المتاحة , ويذهب الضحايا , وتبدا الوجاهات ويفوز ابناء العشيرة الأقوى , كل ذلك بسبب شاب تحدث الى فتاة .
هذه الثقافة حملت الى ارقي صرح من صروحنا , الى برلماننا الموقر , من حيث المشادات والملاسنات بألفاظ يندى لها الجبين , ان بقي جبين اصلا , ويتطور الامر الى التراشق بالكاسات والاحذية . مجتمع وصل به الامر الى هذا الحد من العنف الا يجدر بنا ان نعيد النظر في منظومة التعليم برمتها , وبدلا من ان نأخذ عادات الغرب لم لا نأخذ اساليبهم التربوية ونظمهم العلمية , وصدقوني لا كرامة لامة لا يحصل المعلم فيها على كرامته .
اقول لم لا تسعى الحكومة جادة للقضاء على البطالة عند الشباب , الا يمكنها ان تفعل ذلك ان توفرت النية السليمة . نحن بلد زراعي وفي الاردن ملاين الدنمات من الاراضي الحكومية خاصة في جنوب المملكة التي يمكن استصلاحها , لم لا يوجه طلبة الثانوية لدراسة الهندسة الزراعية بدلا من التخصصات المشبعة , ثم توزع هذه الاراضي عليهم وتمدهم الحكومة بالقروض والادوات اللازمة , والمياه متوفرة , فبرك اصحاب المعالي والعطوفة وابناء الذوات تكفي لري نصف اراضي الاردن , فنكون بذلك قد قضينا على جذور الجريمة واستأصلنا شأفتها ورفدنا الاقتصاد الوطني . طبتم وطابت اوقاتكم .