جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
قديما ــ يا رعاكم الله ــ على عهد آبائنا واجدادنا كانت ظاهرة (سي السيد) هي السائدة المكرسة في كل بيت من بيوت بني عرب , من محيطهم الى خليجهم , مع فارق بسيط بين مدينة وريف وبادية . (وسي السيد : تعبير مصري شعبي ابتكره الاديب الكبير الراحل نجيب محفوظ في الثلاثية الرائعة ( بين القصرين , قصر الشوق , السكرية) ويعني ببساطة : السيد المطاع المتسلط المتجبر العنيف المتكبر , الآمر الناهي , الذي اذا دخل البيت اثار الرعب , وهرب الجميع من وجهه , وبقيت الزوجة المسكينة تنتظر الأوامر ـــ كجارية من جواري السلطان في قصص الف ليلة وليلة ــ وتنفّذها بأسرع ما يمكن , فاذا جلس فعابس الوجه عاقد الحاجبين مقطب الجبين , وربما نهرته الام اذا رات منه لينا لزوجته او يضحك معها , ومن تابع المسلسل الاردني الشهير ( نمر بن عدوان ) يدرك كيف عيب عليه مجرد انه يجالس زوجته ويأكل معها , وانها تناديه باسمه دون كنية , فعند البدو هذا عيب كبير .
كان هذا واقع الحال في اغلب البيوتات العربية , فعيب كبير ان يحب الرجل زوجته او يمازحها خاصة امام حماتها . والزوجة أصلا لم تستشر في امر الزواج كله , ولم يكن لها أي راي , لذلك فهي تلبي رغباته مع فروض الولاء والطاعة . يجلس على سرير الملك فتأتي مسرعة وفي يدها اناء وابريق ماء , يضع رجليه في الاناء وتقوم بغسلهما وتدليكهما ثم تجفيفهما , بعد ذلك تحضر الطعام على وجه السرعة وعادة ما يقدم له اطايب الطعام , في عصر شحّت فيه اللقمة الطيبة . وبعد ان يشبع هو تأكل بقية الاسرة مما تركه سي السيد حامدة شاكرة فضله , مسبحة بآلائه اناء الليل واطراف النهار .
في هذا المجتمع تقوم المرأة بكل شؤون البيت ؛ من طبخ وكنس وحلب للماشية وصنع الاغذية وتخزينها لأوقات الشدة , وتقف الى جواره تفلح الارض , وتحصد وتدرس وتخزّن . وعليها العبء الاكبر في اعالة الأبناء , وبمجرد ان يكبر الولد الاكبر يصبح نائبا لأبيه في الامر والنهي , أي ان مجتمعنا آنذاك كان ذكوريا بكل ما تحمل الكلمة من معنى , فالمرأة ترى في زوجها السيد المهاب , حامي الحمى اذا جد الجد وحزب الامر , الفارس المغوار الذي لا يشق له غبار , ولا تستباح له ديار .
لكن الحروب ــ ايها السادة ــ تكشف المستور وتظهر العيوب تغير الاحوال , فحين وقعت هزيمة عام 1967 بين العرب من المحيط الى الخليج وبين حفنة من اليهود هزم الجمع وولوا الدبر , وسلبت الديار , ولم تحمَ الذمار , وتشردت العائلات وتحطمت المعنويات , وعرض الاسرى على الشاشات بشكل مهين , فتخلخلت مع هذه الحرب كثير من القيم , من بينها هيبة الرجل العربي بشموخه وسطوته وصورته في الاذهان .
تقول الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان في احدى مقابلاتها التلفزيونية : كنا نعيش في بيت سوره بعلو ثلاثة امتار , ما كان يسمح لاحدانا ان تخرج منه الا لبيت زوجها او القبر , عدا مناسبات قليلة وبحراسة مشددة ورفقة بعض رجال الاسرة , حتى وقعت الحرب وحصلت الهزيمة , فاصبحنا نخرج ونزور الاسواق , وسددنا مسده او ساندناه في الدفاع عن الاوطان .
ثم توالت الهزائم وتجرأت المرأة على الخروج اكثر , وفقد (السيد المهاب والاسد الجريح ) سطوته شيئا فشيئا , وتحررت المرأة بنفس الوتيرة , وتعلمت فنافست الرجل في سوق العمل , وقاسمته لقمة العيش , وانزلته من علياه , وجلست مكانه تامر وتنهى . فاختلت قوانين الطبيعة اذ هجرت البيت , ومهدت الطريق لزوجة ثانية تحل محلها , ثم اصبحت تشكو من خيانة الزوج ونكرانه للجميل .
اقول : اذن ــ ايها السادة ــ نحن قوم لا توسط بيننا, كما قال الشاعر العربي ابو فراس الحمداني :
ونحن اناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين او القبر
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة ــ الثامن من اذارــ انقل لكل نسائنا وامهاتنا واخواتنا وبناتنا اطيب التهاني بما حققنه من انجاز , في كافة المجالات ؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية , واقول لهن : رفقا بالرجال فانكن ستحتجنهم يوما , والخوف ان يكونوا قد غادرو الديار وهاجروا وبدلو بالأهل اهلا وبالأوطان اوطانا , طبتم طابت اوقاتكم .