حدوثة لطيفة ظريفة سمعناها كثيرا من جدتي , وكثيرا ما كنا نطالبها اعادتها , لا رغبة في الحكاية فقد حفظناها عن ظهر قلب , بل حبا في اسلوب جدتي وهي ترويها . ما زلت اتذكر تحلقنا حولها وهي تروي الحدوثة بصوت هادي رصين ؛ تخرج الحروف من مخارجها , وتتمثل المواقف المشاهد , بحيث تجعلك تعايش الاحداث والشخوص , تعيش الحدث وتحس احاسيس اشخاصه وتنفعل بانفعالاتهم , تفرح لفرحهم وتحزن لحزنهم , وتعجب بمواقفهم واقوالهم وافعالهم .
مازالت هذه الحدوثة تدور في خلدي تماما كما روتها جدتي , لكنها عصفت بذهني هذه الايام عدة تساؤلات . سأروي لكم ـــ يا دام فضلكم ــ الحدوثة , واعصف بأذهانكم الاسئلة لعلي اجد الاجابات الشافية . تقول الحدوثة :
كان يا ما كان في قديم الزمان , ولا يحلو الكلام الا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام , كوخ صغير بأطراف البلدة تسكنه عجوز فقيرة , ليس عندها من حطام الدنيا سوى شاة عجفاء , تحلبها كل يوم وتقتات من حليبها , في ليلة من الليالي حلبت العجوز الشاة , ووضعت الاناء على الارض , وقامت تصلي العشاء , وقالت في نفسها : سأصلي العشاء واشرب الحليب وانام . اثناء ذلك دخلت هرة فشربت الحليب , فضربتها العجوز بعكازها فقطعت ذيلها , وهربت الهرة بادئ الامر , ولكنها احست بعد ذلك ان ذيلها قد قطع , فكيف ستعيش بين بني الهرر وهي بدون ذيل , ستتعرض للانتقاد والتندر والتغامز والتلامز , فآثرت العودة للعجوز ترجوها ان ترد لها ذيلها , فتعود لأهلها معززة مكرمة وكان شيئا لم يكن وبراءة الهرر في عينيها . قالت العجوز : لن اعطيك ذيلك الا اذا احضرت لي كوبا من الحليب بدل الذي شربتيه . ذهبت الهرة الى البقرة في المزرعة المجاورة ترجوها ان تعطيها كوبا من الحليب . قالت البقرة : لن اعطيك الحليب حتى تحضري لي بعض العشب , فانا جائعة . ذهبت الهرة الى الشجرة وقالت لها : يا شجرة يا شجرة ارجوك ان تعطيني غصنا , فأعطيه للبقرة لتأكله فتعطيني الحليب , لآخذه للعجوز لترد لي ذيلي لأعود الى اهلي . قالت الشجرة : انا عطشى اريد دلو ماء من البئر المجاور فاشرب واعطيك ما طلبت . ذهبت الهرة الى البئر وطلبت منه دلو ماء لتعطيه للشجرة لتعطيها الغصن فتعطيه للبقرة فتعطيها الحليب لتعطيه للعجوز فتعطيها العجوز ذيلها . قال البئر : لن اعطيك حتى تذهبي لصبايا الحي تطلبين منهن ان يأتين ساحتي فيملان الجرار ويغنين ويرقصن . ذهبت الهرة الى الصبايا وطلبت منهن ما اراد البئر فقلن لها : لن نذهب الا اذا احضرت لنا احذية جديدة نرقص بها . ذهبت الهرة الى الاسكافي وطلبت منه احذية للصبايا يرقصن بها على ساحة البئر , ليعطيها دلو ماء فتذهب به للشجرة التي وعدتها ان تعطيها غصنا , تذهب به للبقرة لتشبع جوعها فتعطيها كوبا من الحليب , لتقدمه للعجوز لترد لها ذيلها . فقال : لها انا جائع اريد بعض البيض وسأعطيك الاحذية . ذهبت الهرة الى الدجاجة ترجوها ان تعطيها بعض البيض قالت : اريد بعض العلف لأعطيك البيض . مشت حائرة منهكة فرات فلاحا يحصد قمحه فروت له الحكاية يائسة , وطلبت منه حفنة من القمح , فاشفق على حالها واعطاها , فأسرعت بها الى الدجاجة فأعطتها البيض وهكذا سارت بالسلسلة حتى استردت ذيلها .
اقول : ــ يا دام مجد اهليكم ــ ترى لو ان الفلاح لم يعطها حبات القمح , وطلب منها كوب حليب لأنه جائع فهل ستذهب للبقرة مرة اخرى وتبدا السلسلة من جديد ؟ ثم لنفرض ان البقرة اشفقت عليها اعطتها الحليب في المرة الثانية , ففي رايكم ــ وهي بالذكاء الذي نعهد ــ هل ستذهب به للفلاح وتسير بالسلسلة ؟ ام للعجوز مباشرة وتختصر على نفسها ؟ ماذا لو ان الهرة لم تفلح في تامين الحليب وجاعت العجوز , فماذا تفعل في رايكم هل تعمد الى الشاة فتذبحها , ام تصبر وتعصب على بطنها ؟ واخيرا والسؤال الذي يطرح نفسه , كم من مختلس في بلادنا هرب من العدالة , فلو طبق قانون العجوز هذا على كل من سرق قوت شعبه وحليب رضعه ودواء اطفاله , وتاجر بدماء شهدائه , وعطل انتاج بلده , ليستورد منتجات الغير من اجل الربح . لو طبق هذا القانون و(داخ الدوخات السبع ), حتى يطهر نفسه و يكفر عن خطاياه . هل يبقى المفسدون في الارض ؟؟؟؟ طبتم طابت اوقاتكم .