جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
يقولون ــ يا دام سعد بني ابيكم ــ الشباب عماد الامة , ودرعها في الحصينة , ويقولون الامم لا تنهض الا بسواعد شبابها وحكمة شيوخها , ويقولون ان قوة حجارة البناء مرتكزة على القواعد , وان قوة فروع الشجرة بجذورها , ويقول عليه الصلاة والسلام نصرت بالشباب , وقد اخذ برايهم يوم احد , لكن عصرنا هذا عصر العجائب والغرائب , اختلت فيه الموازين وانقلبت القيم , وتبدلت الادوار , فتخلى معظم الشباب عن دورهم , وتغير سلم اهتماماتهم واولوياتهم .
ظاهرتان غريبتان ــ ايها السادة الكرام ــ غزتا مجتمعاتنا اشم من ورائهما رائحة ابناء يعقوب , حرفتا الشباب عن الدور المناط بهم في المجتمعات عموما , والمجتمعات العربية على وجه الخصوص . ما هما ؟ وما اثارهما على شبابنا ؟ ودور الحكومات وتشجيعها وغض الطرف احيانا عن التجاوزات ؟ فسأقول لكم بعد ان تصلو على الحبيب المصطفى :
الظاهرة الاولي هي كرة القدم والملاعب والفرق والنوادي المحلية والدولية , والترويج لها بإقامة المباريات والبطولات والمهرجانات , وانفاق المليارات لبناء الملاعب , والتسابق والتناحر والتآمر لاستضافة بطولات عالمية او اقليمية , وقد تقع الحروب بسبب ذلك , في بلاد شعوبها تعاني ويلات الجوع والفقر والمرض . واصبح نجم الكرة اشهر من قوّاد اشهر المعارك في التاريخ , فاذا سالت أي شاب من شبابنا عن النجم الكروي ( فلان) اعطاك معلومات وافية وشرحا مستفيضا ــ لا يخلو من الاعجاب ــ عن حياته الخرافية , من يوم ان بزّته امه الى يومه المحتوم ,كم مرة يتمخط وكم مرة يزور الحمام , ثم تجده يبلّم ويتلعثم اذا سألته الفرق بين المسجد الاقصى وقبة الصخرة المشرفة . تتراقص شواربه ــ ان كانت له شوارب اصلا ــ غضبا لخسارة الفريق الذي يشجعه , اكثر من تراقصها ان قدر له ان يشاهد اعتداء بني صهيون على اخواته المرابطات داخل اسوار بيت المقدس في الوطن السليب . وبدلا من ان تقرب الكرة الوحدة العربية وتحققها , اصبحت الملاعب ساحات حرب بين شعوبها , ليس اولها المعارك الباردة التي دارت بين مصر والجزائر قبل اعوام , او ما حصل على ارض الكنانة قبل عامين من قبل مشجعي فريقنا الوطني هداهم الله , ولن يكون اخرها ما يدور الان بين الاشقاء في الخليج العربي , اخوة الدم والجوار والنسب , اضف الى ذلك اثارة النعرات والعصبيات . معارك ضروس في الملاعب وحولها وحتي في البيوت بين افراد الاسرة الواحدة , وعلى مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات , نعرات وعصبيات وقضايا طائفية واجتماعية , وقانا الله شرها وهدى شبابنا الى التعالي عنها , قسمت البلد الواحد الى شمالي وجنوبي وشرقي وغربي , واثيرت قضايا عفا عليها الزمن وعصبيات نتنة . كما قال صلى الله هليه وسلم : (( دعوها فانها منتنة)) , و(ليس منا من دعا الى عصبية ) .
اما الظاهرة الثانية فهي تلك المهرجانات والحفلات الغنائية , والتي تحرص الحكومات على اقامتها على مدار العام تحت عدة مسميات (مهرجان الصيف , مهرجان الربيع , مهرجان جرش قرطاج وبابل ومهرجان السينما والمسرح الخ ...) , واستُقبِل المغنون والمغنيات استقبال الابطال الفاتحين , ولقبوا بأفخم الالقاب ؛ (نجم الشاشة وعملاق الطرب ومعبودة الجماهير ) , وسلطت عليهم اضواء الاعلام والفضائيات الخبيثة , حتى اصبحوا اشهر من رؤساء دولهم , واستقبالهم افخم . فقلدهم شبابنا في لباسهم وحركاتهم وقصات شعورهم وبرستيجهم , وبات اقصى امنيات الواحدة من بناتنا ان تكون مغنية , او على الاقل تشبه المغنية فلانه , وهي لا تعرف شيئا عن تاريخها الماجن وحياتها الخاصة . فصار عندهن هوس الاقتداء بالمغنيات , وتقليد حركاتهن وسكناتهن , فهذه تحب ان تصبح مغنية , وتلك تحاول تغيير شكلها لتشبه المغنية علانة , الى التي تموت عشقا في المغني الفلاني او الممثل العلاني , وقد تنتحر اذا ــ بعيد الشر عن قلبه ــ اصابه مكروه . وهي ايضا لا تعرف شيئا عن حياته الخاصة , لان الاعلام زوقه وزينه وجمله , وكما تعرفون فإعلامنا كله اعلام مسير مسيس , وفضائياتنا اكثر تسييرا وتسْييسا . تنفق اموال طائلة على استقبال مغن هابط , يشهد الكل بفسوقه ومجونه , ليعطى لقب سفير النوايا الحسنة , ولا نزال نذكر الفنانة ــ ستر الله عليها ــ التي كرّمت على ارضنا ومنحت لقب الام المثالية لتصبح ام الاردنيين , وكان ارضنا عجزت عن انجاب ام مثالية , ولتستقبل تلك الفنانة استقبال الماجدات , وتحملها السيارة السوداء الفارهة , من ارض المطار الى ارقى فنادق العاصمة , وهات مقابلات واحتفالات وتوزيع اوسمة وجوائز , كل ذلك من قوت شعب جائع بائس 80% من ابنائه تحت خط الفقر, واطفاله يموتون على الطرقات بسبب رفض المستشفيات استقبالهم لضعف امكانات ذويهم , وكأننا على راي السيدة فيروز : القطعان في وادي والرعيان في وادي , ونادي يا منادي نادي .
وبعد ــ يا سادتي الكرام ــ فأي امة هذه , والى اين نحن ذاهبون , هل هذه الامة هي التي كانت خير امة اخرجت للناس , وهل شبابها هم الذين سادوا الدنيا , وهل هم في هذا الوقت مؤهلون لقيادة بلدانهم وبنائها ,هل سياتي يوم يسير الحصان امام العربة , بسواعد شبابنا وتدبير بناتنا , ونبعد عنا سمة امة الجهل التي وصمنا بها "يا امة ضحكت من جهلها الامم" . طبتم وطابت اوقاتكم .