جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
ودّعنا ــ ايها السادة ــ عاما ونستقبل اخر جديدا , عام مضى وعام اتى , انقضى عام 2018بحلاوته ومرارته , وما جرت فيه المقادير , وأتى عام 2019لا ندري ما تجري فيه المقادير , وما تخطه صروف الدهر , واين سيُذهب بنا , وبالأحرى ما نحن صانعون بأنفسنا فيه . مضى عام ذقنا مرارته بشتي صنوفها والوانها , وتجرعنا فيه كؤوس البؤس والتفرقة والمذلة والهوان . كسّرنا ايدينا بأيدينا , دمرنا بيوتنا بمدافعنا , وجدعنا انوفنا بخناجرنا , وبقرنا بطوننا بسيوفنا , وقطّعنا ارحامنا وقتلنا اطفالنا وبناتنا ونساءنا وشيوخنا , شردنا ذرارينا في كل البقاع . ثم عقرنا خيولنا وكسرنا نصال سيوفنا ورماحنا وسلّمنا رقابنا للعدو طائعين مختارين , تركنا الخنادق واستعذبنا الفنادق , وشربنا معه نخب التطبيع والسلام . والسبب ــ ايها السادة الافاضل ــ مطامع دنيوية ؛ كرسي مهترئ , او منصب زائف او غنى زائل , على حساب عذابات اطفالنا وشقاء نسائنا ورقاب مسنينا , مطامع اوصلتْنا الى الهاوية .
بين عامين ــ يا دام سعدكم ــ تمزقت امة كانت تعاني لعقود عديدة من التشرذم والتفرقة والضعف والاستكانة , ودمرت عواصم ذات حضارات متجذرة في ذاكرة الزمان , واستبيحت مدن محصنة . دول سقطت وتناثرت , ودول على حافة السقوط والانهيار , واخرى يعصِف بها الفقر وتنتظر الفرج . ودول مرشحة لأحداث جسام . لحقت صنعاء بأختها بغداد , وطرابلس بحلب . امة يأكل بعضها بعضا , ويشرب سادتها نخب انتصاراتهم المزيفة , ويهرقون كؤوسهم على الغواني والراقصات في الحانات , امة تنفق ليلة عيد الميلاد اضعاف ما تحتاجه السودان لإشباع بطون شعبها الذي يثور اليوم على الفقر والجوع .
بأيدينا ــ يا سادتي ــ بأيدينا سلّمنا رقابنا لأعدائنا , فذبحونا ذبح الشياه في مسالخ تجار الدماء , فاخذوا يصبّون حمم احقاد كبتوها في صدورهم وتوارثوها عبر الاجيال , ويجربون فينا جديد اسلحة دمارهم الشامل , ونحن حامدون شاكرون , نسبح بآلائهم اناء الليل واطراف النهار .
بين عامين ايها ــ السادة الكرام ــ طبّع بعضنا وانبطحوا ومهدوا لوعد بلفور الجديد , اقصد وعد اميركا , واعلانهم الاعتراف بالقدس ( زهرة المدائن ) عاصمة لدولة الكيان الصهيوني المغتصب , وليغرسوا خناجرهم المسمومة في جسد الامة من جديد , محاولين افقادها هويتها وتاريخها وحضارتها وقيمها الدينية والاجتماعية والتراثية , بمباركة العديد من رموز الامة وسياساتها .
كم بيتا ــ ايها السادة الكرام ــ هدّم على رؤوس ساكنيه, كم مدرسة بعثرت دفاتر طلبتها , كم ضفيرة سحبت وجرجرت على الارض , كم قلم كسر , كم طفل بات طاويا , هذا ان سلم من ريب المنون .
لكن العزم ــ ايها السادة الأفاضل ــ موجود , و الامل بإرادة الله سبحانه معقود , ولابد لهذا المخاض أن ينتهي مهما كان عسيرا , ومهما افرغ من تشوهات . وشواهد التاريخ تثبت أننا أمة تتعثر لكنها لا تموت , لا تموت امة انجبت الرشيد والمعتصم وصلاح الدين وبيبرس ومحمد الفاتح وسليمان القانوني , أمة استوعبت همجية المغول وحقد الصليبيين , لتعود بعد فترة قصيرة ؛ وتحديدا في القرن السادس عشر اقوى امة على وجه الارض , في دولة مساحتها أراضيها19 مليون كم2 , اجتاحت وحطمت الكثير من عواصم الاتحاد الاوروبي الحالية , وذلك في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني رحمه الله , الذي كان أسطوله الوحيد الذي بخوض عباب البحر الابيض المتوسط , ومركزه ميناء طولون الفرنسي .
سيولد بإذن الله فجر تنعم فيه الامة بالأمن وبالأمان , وتتنسم صَبا الحرية , وتشرق شمس حضارتها لتشع من جديد وتملأ ارجاء الكون نورا وعدلا كما ملئ جورا وظلما , وسيبعث من يقول يا خيل الله اركبي .
الربيع العربي الصحيح قادم وان تعثر , والنهضة مع الحرية اتية وان تأخرت قليلا , لعلنا نذكر ان الثورة الفرنسية استغرقت اربعين سنة بين اخذ ورد وثورة مضادة . قتل فيها عشرات الالاف حتى استقر وضعها , وترسخت مبادئها السامية التي تفاخر فيها العالم : (حرية اخاء مساواة) .
بالمناسبة هل تعلمون ان التتار دخلوا ديار الاسلام باطشين مخربين مدمرين , وخرجوا منها مسلمين في بضع سنين , وان اغلب العائلات الصليبية رفضت العودة الى ديارها , بعد معركة حطين ، وفضلت العيش بين المسلمين . فتأكدوا ــ يا رعاكم الله ــ ان العاقبة لهذه الامة , وان الله ناصرها ولو بعد حين . طبتم وطابت اوقاتكم .