لم يكن أمامى فرصة للأختيار بل توالت الأحداث سريعا , انتابنى صمت طويل , ثم قررت أن أغادر بعد أن مات زوجى صارت الحياة جحيماً بتلك البلدة .
أستقبلت آخر عربات القطار , وحقيبة همومى السوداء ترتطم بقدمى عند سحبها جلست بجوار النافذة , وسرحت مع ذكرياتى تذكرت يوم زواجى , وقتها كنت طفلة لاتفهم شيئا أقبلت على حياة زوجية لا أدرك طابعها الخشن .
فى وضح النهارهبطت القرية أتنقل من درب إلى آخر . أحاول أن أتذكر البيت الذى تزوجت فيه أول مرة منذ عشر سنوات , أستوقفت رجلاً .. تسمر مكانه لم ينطق بكلمة وأحدة.. إنما يده تشير ناحية البيت , قد هدنى التعب أقطع ممراً ترابيًا ضيقاً وذرات الأتربة تتعلق بحذائى فتسقط وتستقر بين أصابع قدمى , لم أعد أحلم أنى أمتلك بيتاً وعدة قراريط قد أحزننى ما يعيش بداخلى وما تعلق بذاكرتى مما سبب لى متاعب نفسية وجسدية , وحين دلفت إلى الدار هالنى ما رأيت , الغبار يكاد يملأ الأرجاء , أحسست بالتعب ينهش قدمى تكومت مستندة بظهرى إلى الحائط ألتقط أنفاسى ومددت قدمى للأمام .
غفلت عيناى من الإرهاق وطول الطريق , تسللت إلى أذنى خطوات ثقيلة قادمة من الشارع , تقترب الخطوات تمتد الأصابع ممسكة بالباب الموارب ينفتح كله . إنتفض قلبى وهرب النوم من عينى , ثم أقتحم الكيان كله داخل الدار , أحسست أنهم يعبرون على جسدى بنعالهم .
نظر أحدهم وقال : أنتِ مين ؟ لم أهتم بعيونهم المستفسرة .
تقدم أحدهم ومد يده ينتشلنى من الأرض , وقد أختلطت عبائتى بغبار المكان . الناس من حولى لا ملامح لهم حيث يتشابه الطوب والحجر والبشر كل شىء مختلف هنا عن حياة المدن .
ذهبنا إلى العمدة الذى رحب بى وأشار لأحدهم باصطحابى إلى دار الضيافة . شكرته على إيوائه لى .
فى المساء , انبعثت طرقة خفيفة على الباب , التفت مسرعة , مرهفة السمع تكررت الطرقة , اسرعت فى وجل , كان العمدة.. شفتاه معلقتان بوجهى , وعيناه تحدقان , تفتشان بجسدى , قرأت فى عينيه الإصرار , وتصفحت ملامحه , اندفعت للداخل مستغفرة وأنا العن الخوف , رحت أحتمى بالجدران .. بينما ينظر إلى بعينين مليئتين بالاستهتار , صورة زوجى تطل من حقيبتى السوداء , ويدى ترفض , وكل حواسى تأبى أن ينهار الجسر الجميل فى مخيلتى , ويموت الحلم .