جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
اثناء غوصي ــ يا دام سعدكم ــ في اعماق الذاكرة وقعت على بيت شعر هو مطلع قصيدة كنا قد درسناها في الصف الرابع الابتدائي اظن ذلك عام 1964م , قصيدة احببتها كثيرا وحفظتها آنذاك عن ظهر قلب , ربما لان المعلم يومها كتبها على السبورة بخط جميل وبتشكيل اجمل , ملون باللونين الاحمر والاخضر , الاحمر للحركات , والاخضر للحروف التي تكتب ولا تنطق كالف واو الجماعة واللام الشمسية , ثم يضع المؤشر على الكلمات كلمة كلمة ويلقيها بصوت ندي شجي شهى , جعلني اتفاعل معها واحفظها, حيث اكتشفت اني ما زلت احفظ العديد من ابياتها , وربما تفاعلي بسبب جرسها الموسيقي الرائع , ولربما كان تفاعلني من منطلق البيئة التي كنت اعيش فيها فانا فلاح ابن الريف , درجت في حقوله وتلاله وغدرانه , وترنمت على انغام طيوره , فصرت اميز صوت الدوري من القبرة وصوت الحمام من اليمام , على ان اجمل اصوات الطيور هو صوت البلبل , والبلبل اعرفه جيدا هو طائر صغير جميل يعشش على الاشجار في الخمائل والرياض والحدائق , ويقتات من ثمارها كالمشمش والكرز والتين , اذن ــ ايها السادة الكرام ــ فالقصيدة هي في وصف البلبل وجمال صوته تقول القصيدة :
يا سعدُ قد ألف الخميلة بلبل يشدو فتصطفق الغصون وتطرب
تتعشق الأزهار عذب غنائه فإذا شدا فبكل ثغر كـــــــــوكب
هو شاعر الأطيار لا متكبر صلف ولا هو بالأمارة معجب
وإذا الضحى لمعت بوارق ثغره نادى بأجناد الطيور : تأهبوا
فسمعت للأطيار موسيقى على نغماتها يأتي النهار ويذهب
والصوت موهبة السماء فطائر يشدو على غصن ، وآخر ينعب
وللبلبل في الشعر العربي نصيب وافر من منا لا يذكر بيت احمد شوقي الشهير من سينيته الاكثر شهرة :
احرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس
وقصيدة الاصمعي التي قالها امام ابي جعفر المنصور , في قصة مشهورة في الادب العربي , مطلع القصيدة :
صوت صفير البلبل هيج قلبي الثمل
وقصيدة الدكتور عبد الحميد بدران ( استاذ النقد والادب في جامعة الازهر)في الشاعر التونسي ابي القاسم الشابي :
يَا أَهْلَ تُونُسَ إِنَّ اللَّهَ فَضَّلَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِسْلاَمِكُمْ بِالشَّاعِرِ الشَّابِي
تِيهُوا مِنَ الْفَخْرِ هَذَا بُلْبُلٌ غَرِدٌ غَنَّى لَهُ الطَّيْرُ فِي بِشْرٍ وَتِرْحَابِ
عودة للقصيدة طيبة الذكر فأقول: على اننا في غمرة الطفولة والاعجاب جمال القصيدة نسينا اسم الشاعر الذي ابدع خياله تلك اللوحة الفنية الراقية , ولعل الكثير منكم ايضا يحفظ روائعه الشعرية ملحنة ومغناة بأصوات اشهر نجوم الغناء في عصرنا ولا يعرف انها له , من منا لا يطرب لعملاق الغناء العربي محمد عبد الوهاب وهو يشدو من كلمات شاعرنا:
جفنهُ علَّم الغزلْ ومن العلم ما قتلْ
وقصيدة : الهوى والشباب والأمل المنشود توحي فتبعث الشعر حيّا
و: يا ورد مين يشتريك
ومن لا يطرب مع قيثارة الصباح فيروز وهي تشدو:
يـبـكـي ويـضـحـك لا حـزنـاً ولا فـرحـا ـــ كـعاشقٍ خـطَّ سطراً في الهوى ومحا
من بسمة النجم همس في قصائده ـــ ومـن مـخالـسـة الـظـبـي الذي سـنحا
واغنية : ياعاقد الحاجبين على الجبين اللوجين
ان كنت تقصد قتلى قتلتني مرتين
من منا لم تسحره رائعة فريد الاطرش :
عش أنت أني مت بعدك وأطل إلى ما شئت صدك
واغنية اسمهان :
اسقنيها بابي انت وامي لا لتجلو الهم عني انت همي
املا الكاس ابتساما وغراما فلقد نام الندامى والخزامى
اظنكم الان ــ يا سادة يا كرام ــ تشوقتم لمعرفة هذا الشاعر الغنائي الرائع , التي فاقت شهرة قصائده شهرته هو , فنسي في خضم ومعترك الحياة المعاصرة وبقيت قصائده يشدو بها عمالقة الغناء العربي , انه الشاعر اللبناني الكبير بشارة الخوري المعروف بالأخطل الصغير ولقب أيضا بـ "شاعر الصبا والجمال". وسبب تسميته بالأخطل الصغير اقتداءه بالشاعر الأموي الأخطل التغلبي , ولد في بيروت عام 1885، تلقى تعليمه الأولي في الكتّاب ثم أكمل في مدارسها. ويمتاز شعره بالغنائية الرقيقة والالحان العذبة , والكلمة المختارة بعناية فائقة , حمل الهم الوطني والهم العربي بما في ذلك القضية الفلسطينية .
صدر له من الدواوين الشعرية
ديوان الهوى والشباب عام 1953, وديوان شعر الأخطل الصغير عام 1961. توفي في بيروت عام 31 يوليو 1968.
سأترككم الان مع قصيدة تغنى بها اهل فلسطين , وحفظناها ايضا في مدارسنا حيث كانت من ضمن المقرر على على طلبة الثانوية العامة عام , 1972اترككم مع اللحن الشجي والكلمات العذبة الرقيقة :
سـائـل العـلـياء عـنّـا والـزمـانـا هـل خـفـرنـا ذمَـّةً مُـذْ عرفـانـا
الـمـروءاتُ الـتي عـاشـت بِــنـا لم تزل تجري سعيراً في دِمانا
ضجَّت الصحراء تشـكو عُرْيَها فـكــســـونـاها زئـيـراً ودُخـانـا
مـذ سـقـيـنـاهـا العُـلا مـن دمـنا أيـقـنــت أن مَـعَــدّاً قـد نــمـانـا
يــا جــهـاداً صـفّــق المـجـد لـه لبـس الغـارُ عليـه الأرجــوانــا
شــرفٌ بـاهــتْ فـلـسـطـيـنٌ بـه وبـنــاءٌ لـلـمعـالـي لا يـُــدانــى
إن جـرحـاً سـال مـنْ جـبـهـتـها لــثـمتـهُ بــخـشـوعٍ شــفــتـانــا
وأنــيـنـاً بــاحـت الــنجــوى بـه عـربـيـاً رشـــفـتـهُ مُــقـلـتـانــا
يــا فـلـسـطـيـن التـي كـدنـا لـما كابدتـه من أسـىً نـنسى أسانـا
نـحـن يا أخـتُ على العهـد الذي قـد رضعنـاه من المهـد كِـلانـا
يـثـربٌ والـقدسُ مـنـذُ احــتـلـمـا كـعبتانا وهـوى العـرب هوانـا
شــرفٌ لـلـمـوت أن نــطـعــمـه أنـفسـاً جـبـارة تـأبـى الـهـوانـا
قُـمْ إلى الأبطال نلمـسْ جرحـهمْ لمســة تـسـبحُ بالـطـيب يـدانــا
إنـمـا الــحـقُّ الــذي مـاتـوا لـه حـقنـا، نـمشـي إلـيه أيـن كـانـا
والى اللقاء في ذكريات جديدة ,طبتم وطابت اوقاتكم