جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
عكا وما ادراك ماعكا
عكا وهمس الليل والاقمـــارُ والشاطئ الماسي والانوارُ
والقبة الزرقاء فوق مياهــــــا والبحر يعزف لحنه السمــّارُ
والشمس دانية تداعب خدها والسهل والازهار والاطيار
الشوق سابقني لأحضن شطها وتضمني في صمتها الاسوار
لما وقفت ــ واعهدُ ان بي جلداــ صاخ الجواد وطاشت الافكار
ووجدتني والعين تذرف دمعها والقلب منفطر علاه قتار
يا قاهر الافرنج يا بدر الدجى يا ايهاذا الصارم البتار
السور شاهد والمدافع والقنا والخيل والبارود والاحجار
يا قاهر الافرنج ليتك حاضرا لترى السفين يقودها اغرار
يا قاهر الافرنج هل من صولة فيعود مجدك ايها الجزار
ترى ما الخواطر التي يمكن ان تدور في ذهنك ــ يا دام عزك ــ وانت تعتلي اسوار ( عكا) , اعرق واقدم وامنع مدينة على الساحل الشرقي للمتوسط والشمال الفلسطيني . وقفت على اسوارها , واطلَّ عليّ البحر الهادئ من فوهة السور من مكان سحيق , وفي مدي البصر ؛ في الافق البعيد حيث تلتقي القبة الزرقاء بالمياه الزرقاء , ذلك اللقاء الازلي الرائع , واشعة الشمس تداعب المياه اللؤلؤية المتماوجة بفعل دغدغة نسيم الصباح , فتنعكس تلألؤا في عيون الناظرين , فتنظر خلفك فترى القبة الخضراء بمنارتها البيضاء تطاولان عنان السماء , في مشهد بديع يأخذ بالألباب ويسبي العقول , اختلطت علي المشاهد بالذكريات بعبق التاريخ الذي يفوح من كل ركن من اركان المدينة , قفز الى ذاكرتي وفكري مشهدان , احدهما آلمني بمقدار ما بث الاخر في نفسي الامل :
اما المشهد المحزن : فكان تذكري للشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان ــ رحمها الله ــ عندما زارت مدينة يافا لأول مرة , بعد نكسة حزيران 1967 , ووقوفها على ما تبقى فيها من بيوت وسكان , كانت عيونهم ترنو دائما الى الشرق , يومها التقت بشعراء الداخل المحتل , فالقت قصيدتها الشهيرة ( لن ابكي )
على أبواب يافا يا أحبائي
وفي فوضى حطام الدور .
بين الردمِ والشوكِ
وقفتُ وقلتُ للعينين : قفا نبكِ
على اطلال من رحلوا وفاتوها
رد عليها يومها شاعر الثورة وملهمها ( محمود درويش)ــ رحمه الله ــ بقصيدة يوميات جرح فلسطيني . منها :
نحن في حل من التذكار فالكرمل فينا
وعلى أهدابنا عشب الجليل
لا تقولي: ليتنا نركض كالنهر إليها
لا تقولي!
نحن في لحم بلادي.. و هي فينا!
لم نكن قبل حزيران كافراخ الحمام
ولذا لم يتفتت حَبنا بين السلاسل
نحن يا اختاه من عشرين عام
نحن لا نكتب اشعارا ولكنا نقاتل
والتفت خلفي مباشرة الى قلعة عكا الشهيرة , التي اصبحت في عهد الانتداب البريطاني سجنا سيء السمعة , اذاق الاحرار عذابات القهر والاضطهاد , وعلى خشبات مقصلته تعلقت رقاب الثوار والمناضلين , مَن مِن ابناء الوطن لا يذكر سجن عكا والثلاثة الذين تسابقوا للموت , لئلا يرى احدهم صديقه وهو يموت امامه , في مشهد يدمي القلوب قبل العيون ( محمد جمجوم ’ عطا الزير , فؤاد حجازي ) :
{{ كانوا ثلاث رجال تسابقوا ع الموت
اقدامهم عليت فوق رقبة الجلاد
وصاروا مثل يا خال بطول وعرض البلاد
يا عين يا عين يا عين
نهوى ظلام السجن يا أرض كرمالك
يا ارض يومٍ تندهي بتبين رجالك
يوم الثلاثة وثلاثة يا أرض ناطرين
مين الي يسبق يقدم روحه من شانك
يا عين يا عين }}
ثم تذكرت ما اورده المؤرخ الصهيوني (ايلان بابيه ) في كتابه "التطهير العرقي في فلسطين " الذي يسلّط الضوء على المجازر وعمليات التهجير التي ارتكبت بحق الفلسطينيين عام 1948؛ حيث تمّ تدمير 531 قرية ، وطرد 800 ألف فلسطيني في ذلك العام , تحدث عما فعلته قوات (الهاغانا )في عكا , قال : لم تتمكن القوات اليهودية من اقتحام المدينة فسممت قناة المياه المكشوفة , وأصيب المواطنون- وحتى الجنود الانجليز-بالتيفوئيد . " ويبدو أنه جرى خلال الحصار تلويث المياه بجراثيم التفوئيد.." (ص 111). "
اغرورقت العين , فمسحها تذكري المثل الشعبي الفلسطيني { لو عكا بدها تخاف من هدير البحر ما جلست على الشط} . قلت : صحيح والله , لقد مر من هنا الكثير من الغزاة والمحتلين والطامعين عبر التاريخ , كلهم ذهبوا وبقيت عكا عصية شامخة , من الاسكندر الاكبر مرورا بالفرس والرومان فالصليبيين واليهود , منهم من مكث فترة ومنهم من تكسرت جيوشه على اسوارها , ذهبوا وعكا لم تزل عكا , اسلامية السمْت عربية اللسان فلسطينية الملامح والعادات والتقاليد , والطراز المعماري للبيوت الفلسطينية العريقة , ساحلية السحنة شرقيتها, عربية في مساجدها واسواقها وخاناتها ومطاعمها , عكا قلعة الجزار وقاهرة نابليون ومقبرة الغزاة عبر التاريخ .
تذكرت انه في عام 636م (16هـ) ودخلها الإسلام على يد القائد المسلم والصحابي الجليل شرحبيل بن حسنة , وعند تولّي معاوية بن أبي سفيان الولاية على سورية عام 640م (20هـ) أسّس أول أسطول بحري فيها ، وأصبحت المدينة تشتهر بصناعة السفن ، ومن ميناء عكا انطلقت السفن لتبدأ الفتوحات الإسلاميّة عبر البحر المُتوسّط ، فمن ميناء عكا انطلقت أول رحلة بحريّة إلى جزيرة قبرص عام 649م (28هـ)، ثم إلى جزيرة رودس 654م (34هـ) .
ستعود عكا كما كانت قذى في عين الغزاة عصية ابية , سيرحل الغزاة وتبقى قاهرة الغزاة , وسيبقى بحرها هادئا وسورها واقيا وسماؤها صافية وشمسها مشرقة , ستبقى عربية اسلامية خالصة . طبتم وطابت اوقاتكم .