يقدس الإسلام العلاقة بين الرجل والمرأة ويحصرها في الزواج الذي يمثل تأشيرة الدخول للعلاقات الأسرية، وما يترتب عليها من الانجاب وصلات القربى. ومن الطبيعي ان يمر هذا البناء من خلال الجنس، الذي يمثل جسر عبور متنقل ودائم لتحقيق الهدف المنشود. وهذا ما يميز الإسلام عن غيره كالعلمانية، التي تجعل الجنس هدفاً منشوداً على حساب أمور اشرف يعلي الإسلام من قدرها وهي التكوين الاسري، وبناء صلات القربى، والتكثير اللاغثائي. ولقد عمقت هذه النظرة العلمانية من العلاقة الافتراسية التربصية ما بين الذئب والحمل الوديع، وانتقصت من قدر المرأة بتصويرها وكأنها مجرد وسيلة إشباع قابلة للتغيير والتطوير.
والأصل في الزواج ان يكون طريقه واضحاً سهل المنال، لكن التعقيدات الاجتماعية اكثرت فيه من الحفر والمطبات، وجعلته كالمطلب العسير. وقد اتخذ الزواج الشرعي عدة أشكال تمثلت في الارتباط الأحادي، والتعددي الظاهر والمستور، وزواج المتعة الذي كان واختفى ولا يزال، ثم المسيار.
ما هو زواج المسيار؟
المسيار مشتق من السير أي المرور في اوقات معينة، كأن الزوج يسافر ويمر ليتفقد أهله ويذهب. وبحسب فتاوى الفقهاء والمفتين فانه زواج شرعي مكتمل الشروط، تتخلى فيه الزوجة المسيارية عن بعض حقوقها كالنفقة والاقامة الدائمة للزوج، وهذا حق لها تفعله بارادتها. والمسيار بهذه الصفة يختلف عن زواج المتعة، فهو ليس زواجاً لأجل محدود، وليس بقصد التمتع الجنسي وحسب. فهو زواج تقل فيه فاعلية الزوج، مع توزع الإيجابيات والسلبيات على الطرفين.
المتأمل في زواج المسيار يرى انه مظهر للتعدد، لكن قد يغلب عليه الخفاء النسبي، على الأقل بالنسبة للزوجة الأصلية غير المسيارية. لكنه يظل يحمل سمة مميزة له، هي ان الزوجة المسيارية تنازلت عن حقوق لها معينة، وأنها قبلت بأن تقل فاعلية الرجل بالنسبة لها. لكن هذا مسلك زلق، إذا قد تنعكس الأمور وتتفعل فاعلية الرجل لتصير في صالح المسيارية مع الزمن بسبب دهائها الانثوي.
ايجابيات زواج المسيار
إذا كان المسيار وجهاً آخر للتعدد فانه يحقق ما يحققه التعدد، ومن ثم فقد يحتمل ما يحتمله من ايجابيات وسلبيات. فقد يحقق التكثير اللاغثائي لتقوية المجتمع، ويسد جوانب نقص معينة، ويعوض عن سلبيات معينة تعتري مجتمعاتنا هذه الأيام. فهو يحل مشاكل العوانس والارامل والمطلقات واللاتي تتطلب حياتهن بقاءهن عند اهلهن لرعايتهم مثلا والاهتمام بهم، أو لتحقيق مصالح أخرى. وهذا يفتح الطريق للزوجات المسياريات لتحقيق اهداف ما كانت لتقوم بدون المسيار.
كما ان المسيار يحل بعض مشاكل الرجال كثيري الأسفار الطويلة، بحيث يجد له محطات للراحة هنا وهناك، لكنها محطات مريحة للطرفين ومشروعة في نفس الوقت. كما انه يحل إشكاليات العاجزين عن القيام باعباء الزواج لا سيما المادية، أو تلك التي تلقى معارضات من الاهل تجاه الزوجة المقترحة. وهو في نهاية المطاف شيء خير من لا شيء عند الزوجات المسياريات، حتى وان كان كالبهار بالنسبة للطعام.
ولما كان المسيار زواجاً مشروعاً فليس من سبب يدعو إلى إظهار الخجل منه، وتأخر الفتوى فيه لا يخرجه عن مساره الشرعي. فإذا رأت الزوجة المسيارية انه في صالحها فلا تخجل منه، ولا يخجل منه اقرباؤها، بل ان شأنه هو شأن أي زواج آخر، لكنه منتقص الحقوق وحسب. وهذا الانتقاص هو بطواعية وارادة لا اكراه في ذلك، وما تمارسه الزوجة فيه مشروع ولا غبار عليه.
سلبيات زواج المسيار
وفي المقابل فقد يؤدي المسيار إلى افساد العلاقة اللامسيارية، لا سيما إذا اخذ يقتات على حساب الزوجة الأصلية. وكما ان المرأة بطبيعتها تحارب التعدد الأصلي وتقاومه بكل وسائلها، فهي لن تدخر جهداً في محاربة المسيار. لكن المرأة التقية تتذكر انه حكم شرعي فلا مفر من قبول الأمر الواقع، وهذا هو الامتحان الصعب للمرأة، ان تتغلب على غريزتها في مقاومة الضرة وتقبل بها وتتعاون معها.
المسيار قد يكون فيه اجحاف للمسيارية على الرغم من تنازلها عن حقوقها، خاصة إذا كانت هذه الحقوق هي الحرمان من الأمومة وصلات القربى، فان في هذا قسوة بالغة قد لا يخفف منها مجرد القبول بظل رجل. ولهذا تصفه المسياريات المتضررات منه بالقول: المسيار هو الدمار لا البهار!. كما ان احتمال ضياع حقوق الأولاد المسياريين وارد سيما وانه قد يجري التنازل عن هذه الحقوق ضمنياً بتنازل المسيارية عن حقوقها صراحة. والمسيار وان كان بديلاً جيداً للعهر والخيانات الزوجية فقد يستغل لتحقيق ذلك، بدعوى ان الرجل يدخل هذا البيت كمسيار. لكن التوثيق والشرعية التي اضفتها الفتوى الرسمية على المسيار سوف تحد من ذلك.
كيف نتغلب على مشاكل زواج المسيار؟
زواج المسيار يشجع على التقصير، لكن لا بد في المقابل من مقاومة التقصير بشتى الوسائل، حتى لو تطلب الأمر المطالبة بتشريعات مقابلة له. والى ان نصل إلى هذه المرحلة المتقدمة من التطور سيكون من المفيد التركيز على التثقيف المسياري، لا سيما إذا صار امراً واقعاً. وهذا يتطلب المحافظة على بقاء الأسرة، وحفظ حقوق الزوجة، والحرص على الزوج. ويتمثل ذلك في عدة نقاط:
• زيادة اهتمام الزوجات بأزواجهن والحرص عليهم، وزيادة وعي الأزواج بالزواج.
• تركيز المرأة نظرتها نحو صناعة الأسرة وتعظيم مهمة الأمومة والبيت، وترك أوهام العلمانية التي لا تريد للمرأة أي خير.
• المطالبة بتقنين زواج المسيار بتقييده بشروط خاصة به تحفظ حقوق الزوجة المسيارية، وقصره على الزوجة القادرة على التخلي عن حقوقها، والقادرة على الاستمرار في غياب الزوج المسياري.
• حفظ حقوق الزوجة بالحرص عليها وتوثيقها، وبالانتباه إلى الشروط المغفول عنها، مثل حق الزوجة في اشتراط عدم التعدد عليها.
• تشجيع وشيوع ثقافة الحلال البغيض، أي الطلاق، للحد منه حفاظاً على الزواج الأصلي من الفساد بسبب المسيار.
• يمكن للزوجة المطلوبة مسيارياً ان تشترط عدم الكتمان، فلا تقبل بأن يكون الزواج مخفياً عن عائلة الزوج الأصلية.
تنويه:
الآراء الواردة فى هذا المقال لا تعبر رسميا عن وجهة نظر "مجلة ديوان العرب"، وإنما تعبر عن رأى كاتبها. ونحن نرحب بالاتفاق أو الاختلاف حول المواضيع التى ننشرها من خلال التعقيب عليها فى الزاوية المخصصة لذلك.
<!-- start of attached docs -->
ساحة النقاش