عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): (إنما الإسراف فيما أتلف المال وأضر بالبدن..).
لا شك أن كل شيء زاد عن حدّه أنقلب إلى ضده، كما في المثل المشهور ولكنه عملي ومقبول جداً، إذ الإسراف في كل شيء مضر وله نتائج عكسية لا تؤدي المطلوب، والفرد الأوضع للإسراف كما يذكره الإمام (عليه السلام) هو ما أتلف المال وأضر بالبدن أو كما يقال على ألسنة العامة: المال بغلاوة الروح، لأنهما ركنا السعادة الأساسيتين في الحياة الدنيوية بل في الحياة الأخروية أيضاً لمن أحسن استخدامهما فيما يرضي الله عز وجل. ومن نتائج الإسراف ما أبرزه تقرير من خشية الجمعية الطبية البريطانية أن يتحول الجيل القادم إلى جيل معاق وعقيم، وزنه غير طبيعي، يشرب الكحول، ويدخن بشراهة، ويعاني من مشاكل عقلية وتنتشر بين غالبيته الأمراض الجنسية بسهولة.
وأظهرت دراسة الجمعية أن شباب اليوم ضائع (لا يتناول الطعام المغذي والمفيد أو الصحي كما يتعاطى المخدرات بسهولة، ويعاني من الغلاء والطموح الذي لا يرتكز على أسس علمية أو اجتماعية صحيحة، كما أن أبناء الطبقات الفقيرة يتطلعون إلى الأعلى، ويحاولون الوصول بسرعة إلى تحقيق الثراء حتى بالخيال والمخدر..).
وأفادت الدراسة أن التدخين متفش بين اليافعين، لاسيما بين سن (9 - 15) عاماً، خصوصاً في الطبقات الدنيا، كما أن نسبة (25%) من اليافعين بين سن (11 - 15) جرّبت الكحول، ونصفها أدمنت عليه، في حين جربت نسبة (11%) المخدرات.
ويبدو أن فتاة من كل عشر بين سن الـ(16 - 19) تعاني من مرض جنسي يؤدي إلى العقم، كما أن حمل صغار السن تراجع نتيجة الأمراض، وليس نتيجة للتربية الجنسية.
لا يخفى انتشار مظاهر الانحلال الخلقي والإسراف في التوغل في الفساد في أغلب الدول الغربية وما ينجم عنها من أضرار اقتصادية وتفكك الأسر والعوائل والجرائم المتنوعة كل ذلك والحكام لا يحركون ساكناً سوى الحلول السطحية، ربما لأن الإبقاء على الفساد بل نشرها وتجذيرها وتخدير الشعب وإشغالهم بها تعود لهم بأرباح مادية ضخمة، وتحرك السوق لديهم وتعمل على زيادة إنتاج مصانعهم أو ليأمنوا مناصبهم ويتناقلوه بينهم فقط، ولا عجب إذا استولى على الناس شرارهم فهم لا يرضون أبداً بالفضيلة لفقدانهم إياها بل لا تناسبهم ولا يستطيعون العيش معها.
والكنيسة أخطأت مرة بالرهبانية الفاشلة التي لم تستطع مجاراة المتطلبات الإنسانية والتي أولدت الخطأ الثاني والذي انتهى على شكل إسراف كامل في الملذات الدنيوية وتبني الأتجاهات المادية البحتة دون التأمل في المجال الروحي مما أفقد التوازن داخل كيان الإنسان الغربي وخواءه الروحي والذي يخلف عليه إذا ما اتجه إلى الروحانيات أن يسرق فيها أيضاً ولا يحصل على مقصوده بل يؤدي به إلى الكفر واليأس والانتحار فعن الإمام علي (عليه السلام) إن الدين عميق عميق فتوغلو فيه برفق..).
ولا بأس في أن تستعين الكنائب بتعاليم الإسلام فهي هادية للبشر كلها وعالمية تشمل كل الفصائل والأعراق، وتعطي الحلول الناجعة والكافية لجميع المشكلات الإنسانية النفسية والمادية والعلمية والاقتصادية والسياسية، وما يأتي في المستقبل من حاجات.
ونتبرك بمقولة الإمام علي (عليه السلام) كعلاج ناجع للإسراف حيث يقول: (يا أسرى الرغبة! أقصروا فإن المعرِّج على الدنيا لا يروعه منها إلا صريف أنياب الحدثان. أيها الناس: تولوا من أنفسكم تأديبها، واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها..) إذ ينبهنا (عليه السلام) بأن لا نقع في أسر الرغبات والشهوات التي لا تترك الإنسان حتى تورده موارد الهلكة، فلا ينفك إلا وأعلام الموت يخفق على رأسه والروع قد أذهله فتراه سكراناً من شدة الخوف.
ويدعوا الناس إلى ترويض النفس وتأديبها وكبح جماحها وتعويدها على الخير بدلاً مما اعتادت عليه من الشر المطبوع عليه.
فإن النفس لامارة بالسوء إلا من رحمه الله وهداه، والنفس أعدى عدو للإنسان إن خلي وطبعه، فلا بد من حمية قاسية ورياضة دائمة للنفس وتليينها لحب الخير للناس.

  • Currently 80/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
26 تصويتات / 412 مشاهدة
نشرت فى 6 فبراير 2006 بواسطة nsma

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

235,732