قرأت عروض مختلفة حول الفيلم الفلسطيني الذي فوجيء الجميع بإدراجه ضمن الأفلام المرشحة لجائزة الأوسكار العالمية. وقد تباينت الآراء حوله سياسيا خاصة أصحاب المواقف المتطرفة على الجانبين، لكنهم مع هذا تقريبا اجمعوا على ان الفيلم يستحق مكانة عالية في عالم السينما لموضوعه وانتاجه.
«الجنة الآن» يحاول أن يشرح حالة معقدة سياسيا واجتماعيا وانسانيا لبطلي الفيلم، اللذين يخططان لتنفيذ عملية انتحارية في اسرائيل. ميكانيكان يعملان في كراج لإصلاح السيارات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأحدهما، بحسب القصة وللغرابة هو ابن لعميل تعاون مع الاسرائيليين وقتل من قبل المقاومة الفلسطينية. وتصبح القصة غير واقعية أكثر عندما تظهر فتاة الفيلم الأولى، وهي ممثلة مغربية فرنسية تقوم بدور ابنة شهيد فلسطيني، وتتبنى موقفا مخالفا لابن العميل. ابنة الشهيد ترفض العمليات الانتحارية وتفضل المقاومة السلمية عليها.
فهل الحوار والحبكة القصصية في الفيلم تعكس مجتمعنا، أو على الأقل المجتمع الفلسطيني؟ لا أدري لكن ها هو أحد الكتاب العرب الذي قتل والده قديما بدعوى العمالة من أكثر الكتاب تطرفا في نقد إسرائيل مهما كانت الأسباب، لماذا؟ ربما هذه قناعاته وربما انه مضطر الى المبالغة للتدليل على براءته ووطنيته. وكثيرون غيره في واقع الأمر هم رهائن الموقف وأسرى الرأي الجماعي، لذا يفضلون المسايرة على المناكفة والتقية على الوضوح والمكاشفة. ولا بد لنا أن نتفهم مبررات مواقفهم بدل أن نختلف حولها وحولهم.
الفيلم رغم هذه الخلفيات المتناقضة لا ينكر حقيقة واحدة وهي ان الاحتلال وضع خاطئ ومحاربته فريضة اساسية، وبعد ذلك يكون الاختلاف حول الكيفية من داع الى اتباع المهاتما غاندي الذي قهر جيش الامبراطورية البريطانية في الهند، وانهى الاحتلال سلما دون ان يطلق اتباعه رصاصة واحدة. وهناك الفريق الذي يرى ان القوة الدرب الوحيد لمحاربة الاحتلال، وانها هي التي أجبرت اسرائيل في العقد الأخير على تعديل مواقفها واظهار استعدادها لتقديم تنازلات حقيقية.
وفي كلتا الحالتين، فإن الفيلم بدخوله مجال المنافسة العالمية على الاوسكار يكون قد باع اهم رسائله وهي ان الاحتلال الاسرائيلي سبب الماساة، وان اختلف الناس على كيفية معالجتها. ومن كان يعتقد ان هوليوود ستسمح بفيلم في يوم ما عن الاحتلال الاسرائيلي، دع عنك ان تسمح بفيلم من انتاج شباب فلسطيني؟ انها قفزة كبيرة في عالم طالما ظل بعيدا عن القضية الرئيسية، الذي كان يتحاشى في معظم الحالات تعاطيها، رغم انها تشاهد في بيوت الناس كل ليلة في الأخبار تقريبا، الا من حالات قليلة كانت الأفلام فيها لصالح طرف اسرائيل وحدها. فيلم «الجنة الآن» قد لا يكون الفيلم الأكثر اقبالا، لكنه بالتأكيد سيفتح باب التفكير والنقاش ويخلق جمهورا شعبيا لا جمهور السياسية التقليدي.
ساحة النقاش