مختار مصطفى محمد

مفهوم الاكتئاب يشوبه خلط كبير بالنسبة لعامة الناس، فنجد كثيرين يشتكون مرورهم بحالة من الاكتئاب في حين أن الحقيقة لا تتعدى حدوث تغيير طفيف في أمزجتهم ناتج عن حزن أو غضب أو أي موقف عارض. فالاكتئاب في مفهومه العلمي ليس حالة طارئة.
ولا نبالغ إذا قلنا إن الاكتئاب من أكثر الأمراض المنتشرة في العالم حيث يعانيه حوالي ثلث المترددين على عيادات الأمراض النفسية. وهناك اعتقاد خاطئ بأن الاكتئاب مرتبط بضعف في الشخصية، وهو ما ينفيه كون كثير من عظماء التاريخ وقادة العالم أصيبوا بالاكتئاب. ومن المفاهيم الخاطئة المرتبطة بالاكتئاب (أيضًا) الظن بأن التغلب عليه يكون بقوة الإرادة والسفر وتغيير نمط الحياة في حين أن الاكتئاب ليس مجرد مزاج حزين يتمكن الفرد من التخلص منه بإلهاء نفسه أو بتقوية الإرادة، بل إن هذا المفهوم الخاطئ يدفع بكثير من المصابين بداء الاكتئاب إلى الشعور بضعف الشخصية وانعدام الثقة بالنفس مما يزيد من حدة الأمراض نفسها!!
لذلك لا يصلح من الناحية العلمية أن يصف إنسان نفسه أو شخصًا آخر بأنه مكتئب، فعلماء النفس المختصون حددوا عشرة من الأعراض إذا انطبق خمسة منها على شخص ما لمدة أسبوعين متتاليين (على الأقل) فإنه يصبح مكتئبًا من الناحية العلمية، وهذه الأعراض هي:
- فقد الإحساس بالسعادة في معظم أو كل نشاطات الحياة.
- نقص ملحوظ في الوزن أو زيادة ملحوظة كذلك.
- عدم القدرة على النوم أو زيادة عدد ساعات النوم بشكل ملحوظ.
- اضطرابات حركية.
- إجهاد عام وفقد للطاقة.
- عدم القدرة على التركيز.
- الإحساس بالزيف.
- عدم الاكتراث بالملبس أو المظهر.
- الانطواء والبعد عن المجتمع.
- التفكير في الانتحار أو محاولة الانتحار.
أسباب مباشرة وثانوية
وعلى الرغم من أن مرض الاكتئاب هو من أكثر الأمراض النفسية شيوعًا في العالم فإن الطب الحديث لم يتوصل إلى معرفة الأسباب المباشرة والحقيقية للإصابة به، ولكن توجد نظريات وملاحظات تدل على بعض أسبابه، منها:
- وجود نقص أو تغيرات في الموصلات العصبية.
- وجود تغيرات غير طبيعية في حساسية المستقبلات الموجودة على غشاء الخلية العصبية والتي تتحكم في نقل أو تأثير الناقلات والهرمونات وجميع المواد الكيميائية الموجودة في المخ والتي تؤثر في فعاليات ووظيفة الخلية العصبية.
- وجود تاريخ سابق للإصابة بالاكتئاب عند الشخص نفسه أو عند عائلته ولكن توجد أنواع من الاكتئاب لا ترتبط بأية آثار موجودة في العائلة.
- وجود ضغوط نفسية شديدة في حياة الشخص، فالإجهاد النفسي وضغوط الحياة من أهم الأسباب التي تسبب حدوث مرض الاكتئاب ولكنها في الغالب غير كافية لتطور المرض، بل ربما تكون ضغوط الحياة السبب في ابتداء المرض وحتى يتمكن المرض من الإنسان تكون الاستعدادات الوراثية والعضوية سببًا رئيسيًا له.
وفي رؤية مغايرة يرى الخبراء أن هناك كثيرًا من الأمراض التي تصيب الجسم وتسبب بطريق مباشرة أو غير مباشرة الإصابة بالاكتئاب كعرض أو مرض ثانوي لتلك الحالة، ومثال ذلك:
- بعض أمراض الغدد الصماء كمرض السكر واضطرابات الغدة الدرقية.
- بعض الأمراض الروماتزمية كالتهاب المفاصل.
- بعض الأمراض السرطانية الخبيثة كسرطان الرئة والثدي والبنكرياس وغيرها.
- بعض أمراض الجهاز العصبي كشلل الرعاش وجلطات الدماغ والتصلب المتعدد وغيرها.
- بعض الآثار الجانبية لأنواع من الأدوية كالكورتيزون وبعض مضادات ارتفاع ضغط الدم وغيرها.
ومن أطرف الأسباب التي تتعلق بالاكتئاب وأغربها ما ذكرته دراسة أجريت مؤخرًا في بريطانيا أظهرت أن الأطفال الذين يولدون بوزن قليل وحجم صغير قد يواجهون خطرًا أعلى للإصابة بأعراض الاكتئاب مستقبلاً. فقد اكتشف الباحثون في جامعة «بريستول» وكلية «لندن» للصحة وجود علاقة قوية بين من يولدون صغارًا في الحجم والإصابة بالكآبة في حياتهم اللاحقة بعد بلوغهم، وأوضح الخبراء أن هذه الظاهرة ترجع إلى أن الوقت الذي يقضيه الأطفال الصغار في الحاضنات قد يسهم في إصابتهم بالتوتر وهو ما يؤثر في حيوتهم ونشاطهم وصحة أجسامهم عندما يكبرون!!
علاقات أكيدة
خلال المؤتمر السنوي لجمعية أطباء القلب الذي عقد في مدينة «مانهاتم» الألمانية أكد خبراء أمراض القلب أن هناك علاقة وثيقة بين حالات الاكتئاب وزيادة مخاطر الإصابة بجلطات القلب. ويذكر الأطباء أن الاكتئاب أصبح من العوامل المسببة للجلطات مثل العوامل الأخرى كارتفاع ضغط الدم، وزيادة نسبة الدهون في الجسم، والوزن الزائد.
وهناك مشكلة كبرى أخرى مرتبطة بالاكتئاب أيضًا وهي مشكلة الضعف الجنسي، ويقدر العلماء أن نسبة 80٪ من الحالات المصابة بالضعف الجنسي ناتجة عن أسباب عضوية منها أمراض القلب والسكري في حين تشكل الأمراض والمشكلات النفسية نسبة الـ20٪ الباقية من العوامل المسببة للمرض. وقد كشفت دراسات حديثة أن حالات إصابة مرضى الاكتئاب بالمرض الإكلينيكي في ازدياد مستمر، حيث يوجد ثلاثة بين كل عشرة مرضى يعانون أحد أمراض الاكتئاب. وتقدر الإحصائيات أن نحو 28٪ من الرجال الذين يعانون الاكتئاب سوف يعانون بدرجة ما الضعف الجنسي كنتيجة مباشرة لحالتهم المرضية. لقد قام باحثون من معهد «نيو إنجلاند للأبحاث» في الولايات المتحدة الأمريكية بإجراء إحدى الدراسات التي تعرف باسم «Massachusetts male going study» للتحقق من تأثير الاكتئاب على الضعف الجنسي، وكشفت الدراسة أن معدل انتشار المرض قد يصل إلى عدد كبير من الرجال الذين لديهم أعراض اكتئابية مقارنة بأولئك الذين ليس لديهم هذه الأعراض.
العلاج بالزهور
توجد طريقتان معروفتان ومهمتان لعلاج الاكتئاب، ولكن أفضل أسلوب للعلاج (بحسب الطب النفسي) هو استخدام الطريقتين معًا فقد لا تغني إحداهما عن الأخرى:
- العلاج النفسي: وهو استخدام الجلسات النفسية وهو مفيد جدًا ومكمل للعلاج الدوائي، ولكنه في أكثر الأحيان لا يغني عنه وهو يستخدم غالبًا لعلاج الحالات البسيطة التي لا تحتاج لعلاج دوائي.
- العلاج الدوائي: وهو العلاج الرئيس في الغالب ولكنه ليس على الإطلاق، ويجب أن نتذكر أن الاستجابة للعلاج الدوائي وكذلك للجلسات النفسية لا تجنى ثمارها إلا بعد مرور أسبوعين على الأقل وأحيانًا بعد ستة إلى ثمانية أسابيع.
وهناك دراسات حديثة أفادت بأن هناك طرقًا أخرى مساعدة أطرفها: العلاج بالزهور!! حيث أظهرت دراسة جديدة في جامعة «نيو جيرسي» الأمريكية أن ثلث باقات الورد والأزهار المختلفة يعزز الإحساس بالسعادة عند الإنسان ويقوي قدراته على التواصل الاجتماعي مع الآخرين ويزيل أعراض الاكتئاب، كما أن هناك دراسة أخرى تمت في مركز «ساوث ويسترن» الطبي بجامعة «تكساس» الأمريكية أظهرت أن التمرينات الرياضية تساعد في تقليل أعراض الكآبة والإحباط إلى حد كبير، حيث تبين أن أعراض الكآبة قلت بحوالي 50٪ عند الأشخاص الذين مارسوا الرياضة لمدة نصف ساعة فقط يوميًا، وفي جامعة «روشيستر» الأمريكية اكتشف باحثون أن النوم قد يكون العلاج الفعال المنشود للتخلص من أمراض الكآبة بعد أن ثبت أن للأرق دورًا رئيسيًا في الإصابة بهذه الاضطرابات النفسية.

  • Currently 90/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
30 تصويتات / 342 مشاهدة
نشرت فى 27 ديسمبر 2005 بواسطة nsma

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

235,750