أ. كاوه شفيق صابر

تستخدم الأغنام والأبقار، خصوصاً في فصل الربيع كمعامل أدوية وصيدليات طبية لاستخراج المواد الطبية النافعة الموجودة في الأعشاب النامية في المراعي.
يحصل ذلك حين تنمو النباتات في المراعي بعد سقوط الأمطار رحمة من رب العالمين للإنسان والماشية، ثم ترعى الأغنام من هذه الأعشاب، فنستفيد نحن من المواد الطبية الموجودة في الأعشاب والنباتات عن طريق الحليب أو اللبن الذي تدره هذه الأغنام من ضرعها، وبصورة كاملة وطازجة وسهلة الهضم والامتصاص والتمثيل.

ويشكل هذا الحليب فوائد صحية كبيرة لجسم الإنسان، لأنها تقدم بصورة لبن طازج وسائغ ولذيذ.... إذ إن الأغنام هي الصيدليات ومصانع الأدوية التي تزودنا بالمواد النافعة الموجودة في الأعشاب ونباتات المراعي دون الحاجة إلى أي تعب ومشقة لنا، والحمد لله على نعمة هذه الأنعام.
يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم- سورة النحل، الآية السادسة والستين
(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ)
 
الحمد لله على نزول المطر، وعلى إنبات المراعي والنباتات، وعلى خلقة الأنعام لنا (الأبقار والأغنام والإبل)، التي تسقينا الغذاء والدواء في آنٍ واحد، أي أن هذه الأنعام تعتبر معملاً للأدوية.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أطعمه الله طعاماً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه، ومن سقاه الله لبناً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإنه ليس يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن) وفي رواية ] فإني لا أعلم ما يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن[، [وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً ثم دعا بماء فتمضمض وقال: إن له دسماً، [رواه البخاري ومسلم].

 معلومات عن الحليب أي اللبن:
يعتبر الحليب هو الغذاء الأول للإنسان منذ ولادته والذي به وحده يترعرع البدن وينمو الجسم، ويؤكد علماء التغذية اليوم أن اللبن هو الغذاء الوحيد الكامل الذي يمكن للإنسان أن يعتمد عليه وحده في التغذية إذ يحتوي على جميع المركبات الأساسية الضرورية للجسم، فهو يشتمل على البروتين اللازم لتركيب خلايا البدن وتكاثرها وعلى الفيتامينات المهمة خصوصاً (ج، وب1، وب 2، وب ب، ز، أ، و، د)،  وعلى عناصر الحرارة والطاقة اللازمة للحياة والموجودة في سكرياته والمواد الدهنية - الدسم - التي يحويها والأملاح المعدنية وأهمها الكالسيوم والبوتاسيوم والصوديوم والكبريت والمنجنيز والفوسفور والحديد والتي توجد بمقادير متوازنة ومعتدلة مع الفيتامينات اللازمة.
ودسم اللبن يوجد فيه على هيئة حبيبات صغيرة في شكل مستحلب، وقد ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم ]إن له دسماً[ في وقت لم يكن الطب قد عرف محتويات اللبن ولا قدر نفعه ومزاياه كما أن تأكيد الطب الحديث أن اللبن غذاء كامل وحيد من نوعه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ]فإني لا أعلم ما يجزي من الطعام والشراب إلا اللبن[.
يعتبر حليب البقر أكثر أنواع الحليب وفرة واستعمالاً وأشدها ملاءمة للإنسان بعد حليب الأم. وحليب الغنم -الضأن- أغنى بالبروتينات والدسم من حليب البقر وأكثر غنى بمركبات الكالسيوم والحديد فهو أكثر تغذية، لكنه ثقيل الهضم، ولبن الماعز بينهما من حيث القيمة الغذائية.
 
أجود ما يكون اللبن -الحليب- حين يحلب ثم لا يزال تنقص جودته على مر الساعات، ويختار اللبن بعد الولادة بأربعين يوماً.
وأجوده ما اشتد بياضه وطاب ريحه ولذ طعمه وكان فيه حلاوة يسرة ودسومة معتدلة واعتدال قوامه من الرقة والغلظ، وحلب من ماشية صحيحة وسليمة ومعتدلة اللحم.

قال ابن القيم: وأجود ما يكون اللبن حين يحلب، وأجوده ما اشتد بياضه ولذ طعمه وكان فيه حلاوة يسيرة ودسومة معتدلة، وهو محمود يولد دماً جيداً ويرطب البدن اليابس ويغذو غذاءً حسناً، وينفع من الوسواس والغم، وإذا شرب مع العسل نقى القروح الباطنة من الأخلاط العفنة، والحليب يتدارك ضرر الجماع، ويوافق الصدر والرئة وهو جيد لأصحاب السل، وهو أنفع المشروبات للبدن لما اجتمع فيه من التغذية والدموية وموافقته للفطرة الأصلية.

 ويصف ابن القيم لبن الضأن بأنه أغلظ الألبان وأرطبها وفيه من الدسومة والزهومة ما ليس في لبن الماعز والبقر وينبغي أن يشرب مع الماء، ولبن الماعز لطيف معتدل مطلق للبطن نافع من قروح الحلق والسعال اليابس ونفث الدم، أما لبن البقر فيغذو البدن ويخصبه ويطلق البطن باعتدال وهو من أعدل الألبان وأفضلها، بين لبن الضأن والماعز في الرقة والغلظ والدسم.

اللبن الرائب:
لا تقل القيمة الغذائية للبن الرائب عن الحليب، إذ إنه حليب لكنه تخمر بأحد أنواع الجراثيم التي تحول سكر الحليب إلى حمض اللبن، والذي تعزى إليه حموضة اللبن الرائب وتكسبه نكهته السائغة، كما أنها تسهل الهضم، بما في لبن الرائب من خمائر وغاز الفحم، والتي تنبه إفراز العصارة المعدية ويسهل امتصاص الدهون من الأمعاء.
فاللبن الرائب مفيد للصحيح والمريض على السواء خصوصاً معتلّ المعدة لسهولة هضمه، وذلك أن التخمر المكون له يؤثر على بروتين الحليب -الكازين- فيرسبه على شكل حبيبات رقيقة سهلة الهضم، كما أنه مطهر للمعدة والأمعاء من كثير من الجراثيم والتفسخات.

ويرجع علماء التغذية سبب طول عمر الشعب الدانمركي والبلغاري إلى إكثاره من تناول اللبن الرائب ضمن وجباته الغذائية.
ويستعمل اللبن الرائب في معالجة كثير من الأمراض، خصوصاً التي تصيب الكلى والكبد والحميات واضطربات المعدة والأمعاء، خصوصاً الإسهالات على اختلاف منشئها، وفي تصلب الشرايين وفي كل مرض يستلزم عشاءً خفيفاً كما عند المصابين بارتفاع الضغط والذبحة الصدرية، كما يعتبر غذاء الشيوخ المفضل، وللحليب مشتقات كثيرة لا تقل عنه أهمية منها الزبد والجبن والسمن وغيرها.

 

  • Currently 90/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
30 تصويتات / 326 مشاهدة
نشرت فى 23 ديسمبر 2005 بواسطة nsma

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

235,754