هل يعتبر جلد الإنسان مسكاً لأنه يمسك ما وراءه من اللحم والعظم كما جاء في معجم لسان العرب ؟ أم أنه اسمٌ فقط ميزه هذا المعجم عن سائر أعضاء الجسم وسماه الأديم أيضاً والأدمة باطن الجلد الذي يلي اللحم والبشرة ظاهرها .
إن ما توصل إليه العلم عبر السنين والحقب وخاصةً بعد اكتشاف المجاهر العادية ثم الإلكترونية وما آلت إليه الأبحاث المتخصصة الدقيقة في هذا المجال هو أنه للجلد أهمية كبيرة في حياة الإنسان ليس جمالياً فحسب بل كعضو له وظائف وأدوار لا غنى عنها للجسد لاستمرار الحياة وحفظ الصحة , وهو أكبر وأوسع عضو في جسم الإنسان حيث تتراوح مساحته لدى الكهل ما بين 1,5 _ 2 متر مربع ويبلغ وزنه عشرة كيلو غرامات تقريباً أي ما يعادل 15 % من وزن الجسم .
ويشرف الإنسان على الهلاك إذا ما تعطل عن العمل ما يقارب ربع مساحة جلده كما هي الحال في الحروق الواسعة والسطحية ولو لم يتأذى ما وراء ذلك في العمق .
اهتم الإنسان منذ القدم بجلده لأنه العضو الأكثر ظهوراً للعيان وأمراضه ذات الأهمية الاجتماعية والنفسية تفوق أحياناً الأمراض الخطيرة المحددة للحياة في الأعضاء الأخرى فبقعة سوداء أو بيضاء على وجه فتاة قد تكون رغم سلامتها على الصحة والحياة أشد كرباً وأثقل حملاً من أية آفة داخلية حتى ولو كانت خبيثة .
فبردية أيبر الفرعونية عام 1550 ق.م تضمنت بحثاً في الأمراض الجلدية وكذلك قرطاس هيرست القريب جداً في محتواه من بردية أيبر , وورد ذكر الجذام في العهد القديم ( سفر اللاوويين الإصحاح الثالث عشر من 2 _ 59 ) مع تشخيص تفريقي له لا يقل قيمة عن التشخيص التفريقي في أيامنا هذه . والجذام نفسه سمي بالبرص في العهد الجديد , ثم بين لنا القرآن الكريم أن جلد الإنسان يحتوي ما يشعرنا بحس الألم بقول الله تعالى : ( إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً ) سورة النساء _ الآية 56
وفي هذا العصر _ القرن العشرين الماضي _ فقط تبين للعلماء أن الجلد هو المستقبل الرئيسي لحس الألم واللمس والحرارة ففي سطحه الفسيح يوجد ما يدعى بنقاط الحس وهي التي يبدأ منها صدور الشعور وتوافق نهاية اللييفات العصبية وعدد هذه النقاط في السانتمتر المربع يختلف حسب شأن بقعة الجلد في استقبال الحس وأكثرها في الأنامل إذ يقدر بـ 135 نقطة في السانتمتر المربع على حين لا يتعدى عددها النصف من هذا الرقم في ناحية الظهر . وينتقل الحس من تلك النقاط إلى اللييفات فالألياف العصبية حتى مراكز الجملة العصبية المركزية حيث يكون إدراكها واستبيان دلائلها .
فالجلد ليس وعاءً حاوياً يحتوي العضوية فقط وإنما هو عضو فاعل مضطلع بأعباء ووظائف كثيرة لا يمكن العيش بدونه ومنفعل بأوامر ونظم العضوية عامةً فهو يقف حائلاً دون دخول أو خروج الماء والكهارل وكذلك مواد كثيرة كيميائية أو عضوية منه وإليه , وذلك بفضل تجدد البشرة وخصائصها وللطبقة المتقرنة أهمية كبيرة في هذا المضمار ولما تحتويه البشرة من مادة الكيراتين والملاط واللبيدات بين خلاياها وإن عوامل كثيرة تؤثر في هذه الوظيفة كالإماهة ودرجة الحرارة أو تغير تركيبها –الطبقة المتقرنة - نتيجة تأثرها بمواد ضارة .
كما أنه للجلد وظيفة ميكانيكية إذ يحمي العضوية من الأذيات الميكانيكية وذلك بفضل تركيبه المتميز في البشرة وبفضل أليافه في الأدمة ونسيجه الشحمي وترابط طبقاته المختلفة .
وله أيضاً وظيفة مناعية إذ يعتبر خط الدفاع الأول في العضوية تجاه الجراثيم وذيفاناتها وتجاه المواد الكيميائية ذات الذرات الكبيرة إلا في حال تعرضه للأذيات حيث يمكن أن تعبره بعض العناصر الممرضة وكذلك تقوم البشرة بإنتاج السيتوكينات والبروستاغلاندينات ومضادات التأكسد بالإضافة إلى احتوائها على نظام أنزيمي متكامل , ولجميع هذه العوامل أهمية في الدفاع المناعي تجاه العوامل الممرضة المختلفة .
ومن الجدير ذكره وظيفة الجلد في تركيب الزهم _ الدهون _ والفيتامين د 3 مع التعرض للأشعة فوق البنفسجية ولما لهذا الفيتامين من دور مهم في تشكل العظام واستقلاب الكلس .
كما أن الجلد يتأثر بالهرمونات المختلفة التي تفرزها الغدد الصم وعلى رأسها الستيروئيدات القشرية والهرمونات الجنسية وغيرها . ويتم فيه تركيب الميلانين الذي يحمي العضوية من الإشعاعات فوق البنفسجية الضارة ويكسبها اللون الأسمر وذلك بواسطة الخلايا الميلانية الموجودة فيه .
وهناك أيضاً وظيفة تنظيم حرارة العضوية الهامة وذلك بفضل السرير الوعائي الكبير الذي يدخل في تركيبه إذ تتقبض الأوعية للتخفيف من فقدان الحرارة وذلك عندما يتعرض الجسم للبرودة وعلى العكس من ذلك تتوسع الأوعية الجلدية في حالة ارتفاع درجة الحرارة ليفقد الجلد كمية من الحرارة عن طريق التعرق أيضاً وهذا العرق يخلص العضوية من مواد مختلفة ضارة ناجمة عن عمليات الاستقلاب في الجسم .
ووجود الزهم والعرق معاً يساعد على عدم نمو بعض أنواع الجراثيم على الجلد بشكل طبيعي. وتتم عملية تبادل الغازات بشكل مباشر مع البيئة عن طريق الجلد أيضاً إذ يطرح غاز الفحم ويأخذ الأوكسجين بكميات محددة فهو إذاً يساعد في العملية التنفسية .
وبصمات الأنامل المميزة للبشر مع الخطوط الموجودة في راحة الكف التي تسمى في العربية أسرة الكف وأسراره لأنها حقاً مكمن سر وأسرار كانت وما تزال وستبقى إلى ما شاء الله مطمح دراسة وتمحيص لاستجلاء ما وراءها من خفايا ما تزال إماطة اللثام عنها صعبة المنال .
وكم لرائحة جلد الإنسان من أهمية حيث تميزه عما عداه من الأحياء وعن بقية البشر وهذا ما بينته حاسة الشم القوية عند الكلاب البوليسية لتعقب آثار المجرمين أو لاستنقاذ من يتعرضون للهلكة في بعض الظروف كالذين يدفنهم الثلج في العواصف الثلجية وما هي إلا ريح يوسف على قميصه ونعمة الشم القوية عند والده يعقوب التي ميزته وأعادت البصر ليعقوب عليهما السلام .
والعالم الإنكليزي هيد ذكر وجود نواح محددة من الجلد لها صلتها بالأحشاء عرفت بمناطق هيد يعتمد عليها في التخدير وفي تسكين الألم بالطريقة الصينية المعروفة ( الوخز بالإبر الصينية ) .
وهكذا فالجلد هو مرآة للجسم والنفس معاً يعكس حالتها في الصحة والمرض وهو بهجة للناظرين في حالة الصحة وكرب وضيق في حالة المرض وحريٌ بنا أن نعتني بجلودنا في حالتي الصحة والمرض عناية مدروسة دون إفراط .
ومن أولويات العناية بصحة الجلد هو غسل المناطق المكشوفة يومياً وزيادة عدد مرات الغسيل بحسب طبيعة العمل والطقس لإزالة العرق والمفرزات والمواد التي تعلق بالجلد , والاستحمام الأسبوعي يجب أن لا يقل عن مرة إلى عدة مرات بالماء أو بالماء والصابون وذلك حسب الفصل والمهنة ودرجة الاتساخ .
ولتنظيف الجلد حقائق مهمة علمياً يجب اعتبارها دوماً وهي :
- تنظيف الجلد الذاتي هو إحدى وظائف الجلد الأزلية أي أن الجلد ينظف نفسه وذلك بالاستناد إلى عمليات التوسف والإفراز الدهني والإفراز العرقي وحمضية الجلد الميكروبيولوجية .
- الغسيل الذي هو حاجة حضارية وصحية يحدث بكافة أشكاله خللاً في وظيفة الجلد الذاتية للتنظيف وحتى الآن لم تكتشف طريقة غسل للجلد لا تؤثر على هذا الدور الوظيفي الهام .
- إن استخدام الحمامات عدة مرات باليوم دون ضرورة لذلك , واستخدام الصابون المفرط به أو استخدام مواد لإحداث الرغوة بكثرة أو الولع بالمستحضرات المطهرة يؤدي إلى حدوث نقص جهازي في الزهم الجلدي وما يترتب على ذلك من عواقب .
- يستخدم الماء كمادة أساسية في عملية تنظيف الجلد ولا يعتبر الماء ضاراً بالنسبة للجلد الطبيعي فهو قادر على إزالة الخلايا القرنية المتوسفة عن سطح الجلد ولكن يحتاج ذلك لتماس مديد مع الماء ولعوامل ميكانيكية من فرك وتدليك ثم الشطف بعد ذلك بتيار مائي مندفع يؤدي للحصول على النظافة اللازمة وهذا ما يحققه الاستخدام اليومي لدوش مائي دون استخدام أية مادة منظفة إضافية وأي تنظيف يزيد عن ذلك يكون ضرورياً فقط في حالة اتساخ الجلد الشديد .
- الصابون هو أملاح قلوية لحموض دسمة يمكن أن يخرش الجلد أو يحدث رد فعل ألليرجيائي _ تحسسي _ ولكن الأمر الأول هو الغالب .
- الاختبارات الموضوعية تظهر أنه في موضوع تحمل الصابون أو عدم تحمله لا يوجد هنالك فرق جوهري مهما كان نوع الصابون وشكله ولونه فالوجه إما أن يتحمل الصابون بكل أنواعه بشكل جيد أو لا يتحمله وفي الحالة الأخيرة يمكن أن نحدد استخدامه بالحد الأدنى الممكن أو نمنعه نهائياً .
- النسوة اللواتي لا يستخدمن مواد التجميل واللواتي لا يعانين من غسل الوجه بالصابون يترك الحكم لشعورهن الشخصي باستخدام الصابون أو عدمه . أما بالنسبة للنساء اللواتي اعتدن على استخدام مواد التجميل المختلفة وخاصةً من يضعن منهن مكياجاً كاملاً _ كالممثلات مثلاً _ فإن الغسل بالماء والصابون لا يكفي بالنسبة لهن لإزالة جميع مستحضرات المكياج ولا بد لهن من استخدام مستحضرات تنظيف ذات أساس دهني _ كحليب التنظيف التجميلي _ والتي بمساعدتها يمكن إزالة المكياج بشكل أسهل وأكثر ترفقاً بالجلد منه في حال استخدام الماء والصابون ولكن لا يعني هذا أن استخدامها خال من الضرر بالنسبة لسطح الجلد وللطبقات السطحية للبشرة .
- ويفضل بعد استخدام مواد التنظيف ذات الأساس الدهني إتمام تنظيف البشرة بواسطة محلول خاص _ لوسيون _ أو الغسل بحذر بماء دافئ وصابون وبعدها لا بد من دهن الجلد بكريمات مرطبة مغذية .
- دعاية مواد ومستحضرات التجميل المختلفة مبالغ بها وهي تنتمي إلى عالم الخيال أحياناً أكثر من انتمائها إلى الواقع وهذا ما زعزع الثقة بالصناعات التجميلية من أساسها عند البعض منهم .
- صباغات الأشعار من المؤرجات الشائعة وكذلك الشامبوانات الملونة تدريجياً للأشعار ومواد التجعيد ومثبتات الأشعار وطلاء الأظافر والمساحيق المختلفة والروائح العطرية .
- أكد شولتز أن 10 % من حالات التهاب الجلد الأرجي بالتماس في هامبورغ نجمت عن استخدام مستحضرات التجميل وحدوث الأرج بالتماس يتعلق بطبيعة المادة الغريبة وبتركيزها وبمدة التعرض لها وبتكرر استعمالها وبطبيعة الشخص نفسه أو باستخدامها بشكل غير صحيح كأن تنجم عن الغسل المسبق للبشرة بالماء الحار والصوابين القلوية وهذه الإصابة تتظاهر بالاحمرار وحس الحرق وتزول خلال عدة ساعات بعد إزالة العامل المسبب وتنظيف الجلد من آثاره ولكن بتكرر استعمال المادة المؤرجة تزداد الأذية في المرات القادمة وتشتد .
وفي هذه الحالات ينبغي استبدال المادة التجميلية التي أحدثت الأرج والتخريش بأخرى يتحملها الجلد بشكل أفضل .
وأخيراً الانتباه لليدين العاملتين ضروري خوف حدوث جفافها أو حدوث التهاب جلد أرجي بالتماس بها وقد يكون لاستعمال الكفوف القطنية تحت المطاطية فائدة في الوقاية من مواد التنظيف عند ربات البيوت وعمال الحلويات والمطاعم وتطريتها بالمطريات المناسبة وغير المؤرجة بعد الانتهاء من الأعمال المخرشة والمجففة للجلد لتبقى الأيدي ناعمة طرية لمن يصافحها .. دقيقة الحس والعمل لمن يعرف قدرها ويفخر بها .

د . هدى برهان حماده طحلاوي
اختصاصية بالأمراض الجلدية

  • Currently 92/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
32 تصويتات / 372 مشاهدة
نشرت فى 20 ديسمبر 2005 بواسطة nsma

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

235,753