تلك الايام
#حسين_خلف_موسى
1
بالأمس كان لي دار وأب وأم وأخوة صغار وكان لنا بيت مرفوعا فوق الجبل تتراقص الشمس على سطحه القرميدي وتلاعب نسمات الصيف وريقات التوت، وتتسلل الى الياسمينة البيضاء فتداعب اطرافها وتدغدغ ازهارها فتنبعث موسيقى هادئة، تتلوى زهيرات الحديقة كلها . أما اليوم لم يبق سوى بكاء شاحب ودموع تضرب على الزجاج المكسور بردانة، ونعيق بوم تطمر رأسها في عرزال جدي المهجور تنادي حبيبها المهاجر، لم يبق سوى عويل ريح فوق القرميد مشلوح يروح ويجيء، لم يبق الا مغزل عتيق اغزل فيه ايامي السوداء الباقية، لم يبق الا موقد نار فاغر فاه بتكاسل يتثاءب بارد .. بارد نعسان تكسوه سترة رمادية عشعش العنكبوت في ثقوبها الجوفاء، ودالية صفراء تضرب على الباب بردانة تود الاختباء لقد اسودت عناقيدها والوت عنقها العاصفة المتوحشة ولا احد يعنى بها، اما شقائق النعمان فلم تعد تغنج بغوى على خصر الساقية. مر عامان وانا ما زلت غريبة في بيتي غارقة في الظلمة فجري عليل يجيء بلا ومضة وليلي المتعب يمر ببطيء ولا يغيب، كما الذي قال لنا بالأمس شيئا، وكان في قوله صدق، فلا تسألني عما قال، ان سألت فسوف أبكي .. وأبكي أطفئ بقايا الضوء وبقايا الآمل، دعني أغرق لجج الذكريات، أصبحت أعشق الصمت وأطلق الضوء وأغفو فوق ضلي آه كم حملتني السنون ، تعبت هنا بجانب المدفأ المحملة بحكايات من الرماد، تعبت من المدفأ التي أطعمتها وقود ذاتي ولم ترتو ، تعبت وانا انسج من العنكبوت خيوطا، أنسج سخريات ومهازل والاعيب تلهو بها امرأة مجرحة باكية، ما أروع ان اموت من بردي كما تموت في الخريف عناقيد الدالية، ليتني اتمزق كما تمزق الرياح التشرينية أورق الشجر، اني احس ببرد قارص يندس في صدري، أحس الرياح الملعونة تصرخ في أذني 
.. تتداخل الأصوات 
.. تمحى من عيني الألوان
والظلال من دربي، اني ارى غرابا اسود يحوم فوق رأسي وفي عينيه حكاية الرماد المخيفة، ينشب أظافره السامة في وجهي يود تمزيقي، أه كم أود أن تنتهي الحكاية ، لو تصبح رمادا تبعثرها كف الريح الغاضبة.

تلك الأيام
2

وددت لو أني قصيدة شعر، لو أني أغنية تضمها شفتاك مد العمر لكان احلى من ان تزرع الامل بيتنا المهجور، دربي انا مزروع بالغصات والآهات والاشواك، دربي تروى بشلالات الدموع فأي امل تزرع، ان الامل ميؤوس منه وانا لم أزل برعما على غصن الحياة، ضعت أنا وتهت في مسالك الطريق ولم أصل، كل شيء أسود .. أجرد .. رمادي كقلبي المتعب، كل شيء دامع .. كئيب .. ضائع .. كنفسي الضائعة، كالطريق التي خدعتني وضللتني، كأفكاري المشتتة التي شردتني ورمتني بين الاشواك كأيامي المظلمة، القلقة الأرقة التي لا تستقر، كل شيء مشرد مثلي مجروح موجوع ضائع كأيامي الضائعة. 
الى اين انا يا انا ؟ .
الى أين تقودني يا أملي ؟
ما زلت أسير بصمت في دربي العرجاء المخيفة الظالمة.
الى أين يا وجعي يا ضياعي يا عذابي الى أين ؟
الى اين؟ 
وحتى متى تقودني اصوات البوم التي تعربد في داخلي، أه يا تمردي لقد لفني ضباب اليأس وكل شيء قد تحطم .
فجأة جاء من أنتظره
جاء إلي يحمل كتابا، وبلهفة ضمني بين ذراعيه وألقى رأسي فوق صدره،
وقال: حياتي أنت وليس لي حياة بعدك.
ولم اتكلم وبقي راسي المتعب ملقى فوق صدره فرفع وجهي بيده ونظر الي فرأى عيني دامعتين واهدابي ذابلة وهمس... ماذا همس؟
وبطرف عيني الموجع رنوت الى صفاء عينيه ليرى اللاماذا في عيني تحكي وتعاتب، فحنا رأسه كأنه يتذكر,
وقال : أنت جنيتي علي وعلى نفسك، كتابي انتهى وستكونين أول من يقرأه.
وضمني من جديد إليه وغاب في الأبعد.
وقال : إقرائي كتابي وأعطيني رأيك.
قلت : ماذا أقرأ ؟
قصة حياتي الحزينة، أيامي معك، أحاسيسك المذبذبة .
فتحت الكتاب وقرات بصوت مخنوق بالغصات وتوقفت ولم استطع ان اتابع. 
أي ام ي م ع اه ا
وعاد يقول: تابعي.. تابعي 
وتقدم نحوي وضمني بعنف وهم بي أن يطير، فتراجعت وترددت،
قال : لماذا يا حبيبتي.
استجمعت بعضي وقلت: كنا
فصرخ : وما زلنا. 
وكأنه لم يصدق جلس جانبا مذهول لا يدري ماذا يفعل
فاحلولى لقلبي موقفه وبدون أن أدري دفعت أناملي في خصلات شعره المبعثرة وداعبتها ثم غبت في رحلة طويله الى عالما بعيد, وقبل ان انتشي صرخت فجأة حنانيك انا لن اصلح لك انا طريقي شاقة مسيجة بالأشواك يغمرها ظلام موحش وعواصف مخيفة، أما تسمعني دعني اتخبط في يم اليأس أنا ما اخترت لنفسي ما بنفسي فلا ترتجي مني شيئا، أنا أحب الحياة لكني رضيت بما أختار لي القدر, اما انت فستبقى بقلبي، ستظل فكرة غالية وذكرى رائعة وأنت بعيد.
قال : لماذا وأنا بعيد ؟
قلت : أجمل وأروع وأقوى، بهذا لم أفقدك أبدا، أنت مصدر الهامي ووحي وخيالي، انت أفاقي ووقود ذاتي، فانصرف عني ودعني وحدي، أحب الوحدة، أنصرف لقد حان وقت الفراق المحبب إلي.
فنهض بعياء شديد ، وحاول أن يطبع على خدي قبله، قبلة الوداع، فأشحت بوجهي عنه .
فقال : متى نلتقي؟
قلت : انت معي وعيناك ترافقاني أينما كنت أنا، سأحس وسأشعر أنه قد كان لنا موعدا وما زال.
قال : أما انا فعلي الموعد المنتظر.
قلت : حدق الى ساعتنا القديمة, واسمعها أنها تغني أغنيتي وتبكي .. تتألم فيحملها الخيال فتحلم، فتتذكرك وتقول للموعد أن يأتي بأسرع وقت .

وللحكاية بقية 

nooralmsbah

نور المصباح

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 64 مشاهدة
نشرت فى 29 سبتمبر 2017 بواسطة nooralmsbah

ساحة النقاش

موقع حسين خلف موسى

nooralmsbah
.."""....... لا زالت الصفحات بيضاء، والمسافة بين الخطوة والطريق طويلة كمسافات الليل المتناهية. لم تأتي الكلمات . . . لم تنبعث الحروف، يبقى القلم صامتا، يمتص الجفاف أنينه فلا ينطق ولا يخترق المدى. الليل غارق بصمته وعيناي شاخصتان تحدقان بالأوراق في فراغ المسافة ، كم مضى من العمر ؟ ليس »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

17,272