إشادة أم إنصاف
في هذه العبارة الأخيرة تكمن مشاكل التاريخ العربي المعاصر، والتي تتمثل في التحيز الإيديولوجي والموضوعية العلمية. للأسف الشديد _ في عالمنا العربي_ يعز النقد الموضوعي والتصور التاريخي للحوادث التاريخية الجارية، لا شك أن القرن العشرين حمل الكثير والكثير من الصراعات والحروب العسكرية والمدنية، حروب التحالفات، وحروب الدول، وحروب الأيدلوجيات، ولعل هذه التخمة الكبيرة من تلك الحروب الجارية نهرها منذ ما قبل 1945 حتى الآن هي أحد أسباب شحاحة القراءة الموضوعية للتاريخ العربي المعاصر.
للقارئ العزيز أن يستحضر حروب الاستقلال في مصر وسوريا ضد الاحتلال الانجليزي، وفي ليبيا ضد الإجرام الإيطالي، وفي الجزائر ضد الهجمة الفرنسية الشرسة التي خابت نتائجها باعتراف " ديجول فرنسا". ثم ليحلق قارئنا بخياله بعد ذلك لمعارك الاشتراكية والرأسمالية، والتقدمية والرجعية، ثم حروب الأيدلوجيات في كامل الوطن العربي، حروب الديمقراطية والخلافة، التي لم تنته بعد، كل هذه الحروب جعلت من ( الإشادة والإنصاف) جدلية فاضحة لكاتبي التاريخ الحديث في الوطن العربي، إذ لا تكاد تقرأ لمؤرخي القرن العشرين سطرا دون تحيز لتوجه الكاتب أو المؤرخ، فكتاب القومية يشيدون بقوميتهم دون إنصاف لأصحاب التوجه المقابل لهم، ومؤرخي الحركات الإسلامية يخلعون عن مخالفيهم كل فضيلة وطنية أو إسلامية لينفردوا وحدهم بمكارم الأخلاق والصفات والمواقف.
وفي الأخير أستحضر إجابة العالم الاجتماعي السويدي: جونار ميردال على التساؤل الأثير: هل هناك حقا موضوعية كاملة في كتابة التاريخ؟
فيجيب: الموضوعية هي أن تعلن ذاتيتك منذ البداية!!!