💞🌺 عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( قال رجل : لأتصدقنّ بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق ، فأصبحوا يتحدثون : تُصُدِّق على سارق ، فقال : اللهم لك الحمد ! ، لأتصدقنّ بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يدي زانية ، فأصبحوا يتحدثون : تُصُدِّق الليلة على زانية ، فقال : اللهم لك الحمد على زانية ! ، لأتصدقنّ بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يدي غني، فأصبحوا يتحدثون : تُصُدِّق على غني ، فقال : اللهم لك الحمد على سارق و على زانية و على غني ! ، فأُتي فقيل له : أما صدقتك على سارق ، فلعله أن يستعف عن سرقته ، وأما الزانية ، فلعلها أن تستعف عن زناها ، وأما الغني ، فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله ) متفق عليه .
💘📖 معاني المفردات :-
يستعف عن سرقته: يمتنع عن سرقة الناس .
🎀📗 تفاصيل القصّة :-
💖🌸 النيّة والصدقة ، كلمتان تربطهما علاقةٌ وطيدة ، وصلةٌ أكيدة ، تجعل من الأولى ( النيّة ) سبباً في قبول الثانية ( الصدقة ) عند الله تعالى ، حتى لو لم تقع في مكانها الصحيح .
❣️💸 و مسألة الخوف من عدم وصول المال إلى مستحقّيه كانت ولا تزال قضيّة تؤرّق الكثيرين من المحسنين وأصحاب الأيادي البيضاء ، وتشكّل هاجساً لديهم ، إلا أن الحديث الذي بين يدينا جاء مطمئناً و مبشّراً ، أن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عمله وأخلص نيّته ، ومؤكّداً في الوقت ذاته أن المقصود الأعظم هو البذل و الإنفاق بقطع النظر عن وصول الصدقة إلى أهلها .
💚☘️ وقد اشتمل الحديث الشريف على قصّة تدور أحداثها في غابر الزمان ، و بطلها رجلٌ من الصالحين ، حرص على معاني الجود والعطاء بعيداً عن أعين الناس وكلامهم ، وزهد في مدحهم وثنائهم ، وقصد بنفقاته و إحسانه رضا الخالق وحده .
💚☘️ و في ليلةٍ من الليالي ، كان يحضّر نفسه للمشاركة في مضمار من مضامير الخير ، فقد عزم على أن يتصدّق بصدقة لا يعلم عنها إلا علاّم الغيوب ، فخرج مستتراً بظلام الليل ، و على حين غفلةٍ من الناس ، يبحث عن محتاج أعوزه الفقر إلى المال ، و منعه الحياء من السؤال ، فوجد في طريقه فقيراً تبدو على محيّاه معاني البؤس ، وفي هيئته دلائل الحاجة ، فسارع إلى دفع المال إليه ثم استدار مبتعداً عنه ، حفاظاً على مشاعره وأحاسيسه .
💚☘️ وأصبح الرّجل الصالح راضياً بما قام به في الليلة السابقة، يرى بعين الخيال فرحة الفقير بالمال و هو بين أهله ، و بينما هو غارقٌ في أفكاره إذا بالأخبار تصله أن رجلاً قد تصدّق على سارقٍ البارحة ، فعلم أنه المقصود بذلك ، فراودته مشاعر مختلطة من خيبة الأمل والحسرة على عدم تحقّق مراده وضياع صدقته ، إلا أنّه حمد الله على كلّ حالٍ فقال : ( اللهم لك الحمد على سارق ) .
💚☘️ وعندما جاء الليل قرّر أن يصحّح خطأه ، ويضع الصدقة في موضعها ، فخرج من بيته ، واجتهد في البحث عن محتاج ، فأبصر امرأة تقف في قارعة الطريق ، وتوسّم فيها الحاجة ، فدفع إليها صُرّة المال ثم انصرف .
💚☘️ و جاء اليوم التالي يحمل الخبر الذي أزعجه ، فقد وقعت صدقته في يد امرأةٍ من بائعات للهوى وباذلات الشرف ، فازداد الرجل غمّاً بغمّ ، و قال و الألم يعصر فؤاده : " الحمد لله على زانية " .
💚☘️ وللمرّة الثالثة ، يتكرّر المشهد ، ويتصدّق الرجل ولكن هذه المرّة على غني ، ليصبح و الناس يتندّرون بفعله ، عندها سلّم الرجل أمره لله ، ورضي بقضائه وقدره ، وحمَد من لا يُحمد على مكروهٍ سواه .
💚☘️ ولعل الرجل لم يرَ أعماله إلا في صورة الهباء الذي تذروه الرياح ، ولكن رحمة الله واسعة و فضله أكبر ، فجاءته الرؤيا تحيّي موقفه و تشيد بإخلاصه ، و تبشّره بقبول صدقاته الثلاثة ، رؤيا لا تقف عند الأبعاد المألوفة لمواقف الحياة و سننها ، و لكنها تكشف عن البُعد المخبوء للحكمة الإلهيّة : ( أما صدقتك على سارق ، فلعله أن يستعف عن سرقته ، و أما الزانية ، فلعلها أن تستعف عن زناها ، وأما الغني ، فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله ) .
🔗💘 وقفات مع القصة :-
💛🌼 الحديث غنيٌّ بالمعاني و الدلائل التي تجدر الإشارة إليها ، و أوّل محطّاتنا هي بيان الارتباط الوثيق بين العمل و النيّة ، و أن قبول الأعمال عند الله يكون على قدر ما تحقّق فيها من التجرّد و الإخلاص ، و قد أكّد النبي – صلى الله عليه وسلم – ذلك بقوله : ( إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى ) متفق عليه .
💛🌼 ولنا أن نستوحي مما سبق أنه ليس من المهم أن تقع الصدقة في موضعها الصحيح ، إنما المهم هو حسن القصد و تصحيح النيّة ، و لا يعني ذلك بالطبع الامتناع عن التحرّي في حال السائلين ، و كشفِ الصادق من الكاذب ، و لكنّ المذموم هو المبالغة في ذلك و التكلّف فيه .
💛🌼 و من الآثار الحميدة للإخلاص - و التي أشار إليها الحديث بشكلٍ عابر - ، أن صاحبها قد ينتفع بأعمال أناسٍ لم يكن له توجيهٌ مباشر إلى الخير ، بل كان مجرّد سبب ساقه الله إليهم ، فتغيّرت أحوالهم به ، فالسارق و الزانية و الغنيّ - كما في القصة - ، قد ينصلح حالهم و تحسن فعالهم ، فينال المتصدّق بسببهم أجراً عظيماً .
💛🌼 كما جاء ذكر الرؤيا في سياق القصّة ، و تُطلق على ما يراه النائم ، و تكون حقّاً من عند الله تعالى بما تحمله من بشارة أو نذارة ، و لذلك يقول النبي - صلى الله عليه و سلم - : ( الرؤيا الصادقة من الله ) رواه البخاري .
💛🌼 و في الحديث دلالةٌ على فضل التسليم بالقضاء و القدر ، و حمد الله سبحانه و تعالى في جميع الأحوال : في المنشط و المكره، و العسر و اليسر، اقتداءً بالنبي – صلى الله عليه وسلم – الذي كان يكثر من الثناء على الله و التمجيد له ، مهما نزلت به من صروف الحياة و ابتلاءاتها .
ساحة النقاش