مختصّون يطالبون بعقوباتٍ صارمة.. والبعض يلقي اللوم على المنظومة التعليمية
طلابٌ يسخرون من معلميهم وآخرون يستدرون عطفهم في ورقة الإجابة
ريم سليمان- دعاء بهاء الدين- سبق- جدة: ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الظواهر الغريبة على الطلبة في أوقات الاختبارات، وشكا لـ "سبق" عددٌ من المعلمين من بعض التصرفات الغريبة للطلبة، معبرين عن استيائهم من اللامبالاة والاستهزاء بالمعلم، مطالبين الوزارة بوضع عقوباتٍ صارمة على مَن يستهزأ ويسعى للغش في الاختبارات.
نكات ساخرة
ذكر لـ "سبق" أحد الطلاب أنه عادة ما يرسل لأصدقائه قبل الاختبارات "نكات ساخرة"، للتخفيف من الضغط النفسي الذي نعانيه، ولا نجد في ذلك الأمر خروجاً عن المألوف، فيما عبّر معلم عن رفضه ما يكتبه البعض في ورقة الإجابة من استعطافٍ، والذي اعتبره مساساً بهيبة المعلم، وقال: كتب لي طالبٌ في ورقة الإجابة "تكفى يا أستاذ نجحني"، "والنعم فيك يا أستاذ" حتى أنجحه، بينما هو لم يجب عن معظم الأسئلة.
ووصف معلم لغة عربية ما يكتبه بعض الطلاب في ورقة الإجابة بالمهزلة التعليمية، وقال: استبدل أحد الطلبة عبارات قصيدة شعرية في المنهج الدراسي، بعبارات عامية من نسج خياله، وكأنه يستهزأ بالمادة التعليمية وبالمعلم.
السروال للغش
واستنكر أخر ابتكار الطلبة وسائل حديثة للغش، وقال لـ "سبق": اكتشفت ذات مرة أن طالباً يرفع جلبابه أكثر من مرة في اللجنة مما لفت نظري، وعندما اقتربت منه وبدأت أتابعه، وجدته كاتباً على سرواله إجابات بعض الأسئلة ليغشها في اللجنة، مطالباً بتطبيق عقوباتٍ صارمة على الطالب الذي يغش في الاختبارات.
ورأى معلمٌ آخر أن الطلاب أصبحوا يستهترون بالاختبارات، لأنهم يدركون أنهم سوف ينجحون، فترى أحدهم يغادر لجنة الاختبار بعد فترة بسيطة، ولا يجيب عن معظم الأسئلة، والآخر يغش بكل جرأةٍ ولا يحترم المعلم. بينما أبدى أحد المعلمين تعاطفه مع أحد الطلبة عندما كتب له في ورقة الإجابة "أمس ما نمت يا أستاذ.. أبويا كان مريضاً، تكفى نجحني أستاذ"، موضحاً انه أعطى له درجة أكبر من التي يستحقها تعاطفاً معه.
تحمُّل المسؤولية
رأى الكاتب التربوي نزار رمضان أن الاختبارات أحد المحكات الرئيسة في حياة الإنسان، ونموذجٌ لتحمُّل المسؤولية، فتصرفات الشاب التي تربى عليها بالبيت والمدرسة والشارع عادة ما تظهر في الاختبارات، كما أن الدارس لوضعية الشباب وحالتهم بفترة الاختبارات يجد تراجعاً واسعاً في تحمُّل مسؤولية الاختبار ومواجهة الصعاب.
وأشار إلى بعض النماذج التي تهرب من المواجهة بالانسحاب، أو بالاستهتار، والنوع الآخر يلجأ إلى الغش للهروب من المسؤولية، وحول الأسباب التي تؤدي لهذا الهروب والاستهتار، قال رمضان: نظام الاختبارات التقليدي والذي أحياناً لا يفيد حيث يعتمد على السؤال المباشر وقياس أدنى مستويات التفكير، كما أن طبيعة المرحلة المراهقة التي تتميز بالمغامرة والابتكار وحب الظهور وما يسمّى بلغة المراهقين "الأكشن" والذي عادة ما يظهر عن طريق النكتة أو التحايل أو تخدير النفس بالتمني والتحلي.
ثقافة التواصل
وأوضح أن ضعف التواصل بين الإرشاد بثقافة الاختبارات وظروفها ومُلابستها وبين الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور من أهم الأسباب التي تؤدي إلى استهتار الطالب، معرباً عن أمله في وجود ندواتٍ ثقافيةٍ لأولياء الأمور عن كيفية احتواء الطالب وتوجيهه ومنتديات لتعريف الطلاب كيف يذاكرون وكيف يجيبون.
ولفت نزار إلى نظرة الشباب المستقبلية وانتشار البطالة أو الاعتماد على آلة الصرّاف الأبوية ومنحة الوالد له بالتعليم الخاص واستمرار المسلسل الهزلي بالتعليم الربحي التجاري، أسهمت بقدرٍ كبيرٍ في صُنع حالةٍ من اللامبالاة لدى عديدٍ من الطلاب، مشيراً إلى عدم ارتباط المنهج بالحياة وتطبيقاتها.
وفسّر وجود بعض النكات الساخرة قبل فترة الاختبارات وتداولها بين الشباب، بأنها ترجمة للشخصية المتوترة التي لا تريد أن تظهر بالضعف أمام الآخرين، حيث تميل للضحك والهزار والنكتة عن المعلم والأدعية الساخرة منه، مشيراً إلى وجود الكثير من العبارات التي تخرج الطلاب من جو الكبت وجو الضغط فتصبح ترفيهاً معنوياً بغير موضعه.
ورأى أن الإعلام المرئي أسهم بشكلٍ كبيرٍ في هذه المشكلة من ناحية الدراما التي تقلل من شأن المعلم ومن شأن الطالب أيضاً، موضحاً أن طرفَيْ العملية التعليمية وقطبيها تعرّضا لإهاناتٍ ونكتٍ وشائعاتٍ، مما يسهم في ترسيخ هذا الطابع الاستهزائي على أنه حقيقة، مشيداً بوسائل الإعلام بضرورة تبني منهج الأمانة في النقل والانتشار.
عقوبات صارمة
وشدّدت الكاتبة والأكاديمية الدكتورة ميسون الدخيل، على ضرورة تطبيق عقوباتٍ صارمة على الطالب المخطئ، قائلة: لا بد من تطبيق مبدأ الثواب والعقاب في المنظومة التعليمية، حتى يدرك الطالب العقوبة التي تنتظره في حالة تجاوزه الأخلاقي في المدرسة، وحمّلت وزارة التربية والتعليم المسئولية في ظهور هذه السلوكيات السلبية للطلاب، وقالت: إن المدرسة لا يحق لها بحسب قوانين الوزارة معاقبة الطلاب مهما ارتكب من أخطاءٍ داخل المدرسة.
وطالبت الدخيل الوزارة بإصدار قوانين بديلة تضمن التزام الطلاب، مرجعةً استهتار الطالب بالمنظومة التعليمية لمعرفته أنه مهما أخطأ فلن يعاقب وسينجح بكل سهولة، وقالت: مع الأسف الشديد أصبح الطالب صاحب القرار في العملية التعليمية، فهو يقرر متى يذاكر، ومتى ينجح، ويدرك أنه مهما تجاوز فإنه سينجح في الاختبار، ورفضت أن يصبح ذلك ضمن إطار العملية التعليمية
قلب المجتمع الحاضن
فيما اعتبرت سخرية الطلاب من الاختبارات تنفيساً انفعالياً، بيد أنها رفضت الاستهزاء بالمعلم والسخرية منه، وقالت: إذا أدرك الطالب انه سيعاقب عند سخريته من المعلم في ورقة الاختبار، بالحسم من درجاته، أو الحرمان من أداء باقي الاختبارات، فإنه لن يتجاوز أخلاقياً معه، كما رفضت التشهير بالمعلم والإساءة إليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقالت: من غير المقبول أن يسيء الطالب للمعلم مهما بلغت أخطاؤه، ويشهّر به بكلماتٍ نابية عبر تويتر أو فيس بوك، ولفتت إلى أنه من حق المعلم مقاضاة الطالب الذي أساء إليه عبر هذه المواقع.
وتابعت الكاتبة حديثها: مع الأسف الطالب حالياً يفتقد القدوة، ويشعر بعدم جدوى الاختبارات، نتيجة إحباطاتٍ من حوله، ومعاناتهم من البطالة، مؤكدة أن المدرسة قلب المجتمع الحاضن، وقالت: أتمنى أن تؤدي المدرسة دورها في الارتقاء بالطلاب وأسرهم والمعلمين، وأبدت أسفها لاقتصار دور المدرسة على تلقين المعلومات، وختمت حديثها مؤكدة أنه إذا تكاملت المنظومة التعليمية، وأصبح التعليم ماتعاً، فسوف ينجذب إليه الطالب، ولن يسخر منه.
ساحة النقاش